بقلم - كوستاس باريس

الوقود التقليدي موجود وسيبقى

2050 الموعد النهائي الذي حددته المنظمة البحرية الدولية لخفض انبعاثات الكربون الصادرة عن السفن بمقدار النصف

«هدف المنظمة البحرية الدولية لتقليل انبعاثات الكربون طموح، لكن ليس لدينا خيار آخر».. كزافييه لوكليرك - نائب رئيس CMA CGM SA الفرنسية

تتزايد الاستثمارات في السفن التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال، على الرغم من النقاش حول مدى تأثير الغاز الحقيقي على البيئة. ويشهد قطاع النقل البحري، في الفترة الحالية، أكبر تغيير من نوعه، منذ التحول من الفحم إلى النفط الثقيل، منذ أكثر من قرن مضى، حيث يبحث القائمون على القطاع عن أنواع وقود جديدة، من شأنها أن تقلل من استخدام الكربون إلى حد كبير في هذه الصناعة.

ومن المقرر، أن تستمر الجهود الصديقة للبيئة من جانب المسؤولين عن قطاع النقل البحري حتى عام 2050، وهو الموعد النهائي الذي حددته المنظمة البحرية الدولية لخفض انبعاثات الكربون بمقدار النصف، مقارنة بمستويات عام 2008.

وحسب تقديرات أحد التقارير الحديثة، فإن التكلفة المطلوبة لإنجاز تلك المهمة ستصل إلى تريليون دولار.

على الجانب الآخر، يتعرض مشغّلو السفن لضغوط تجارية متزايدة لتحقيق خطوات كبيرة في حماية البيئة. ويطلب أكبر عملاء الشحن في العالم البحري دليلًا على نقل شحناتهم على متن سفن أنظف بيئيًا، نظرًا لأن تلك الشركات تنظر وتراعي عن كثب تخفيض بصمتها الكربونية على البيئة.

ويتساءل العديد من مالكي السفن ومراقبي الصناعة، عما إذا كان بإمكان المنظمة البحرية الدولية الوفاء بالموعد النهائي لخفض الكربون، مشيرين إلى أن الأبحاث حول أنظمة الشحن الجديدة لا تزال في مراحلها المبكرة، وأنه لا يوجد إجماع على نوع الوقود البديل، الذي سيحمل السفن القادمة إلى مستقبل جديد أكثر نظافة، كما أن التحرك نحو الحلول المحتملة لعلاج تلك القضية حتى الآن لم يستطع إزالة هذه المخاوف.

ويعتقد الكثير من اللاعبين الكبار في القطاع، أنه سيتم تشغيل المزيد من السفن التي تعمل في المحيطات، بواسطة الغاز الطبيعي في السنوات القادمة. وتضع مؤسسة (سي إم إيه - سي جي إم- إس إيه) CMA CGM SA في فرنسا، وهي رابع أكبر مشغّل لسفن الحاويات في العالم، رهانًا كبيرًا على التحول في نوع الوقود الذي تعمل به سفنها، وبرهنت الشركة على ذلك من خلال طلبها مؤخرًا لشراء 22 سفينة جديدة سيتم تشغيلها بالغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك 9 سفن ضخمة ستكون من بين أكبر سفن الشحن في العالم.

وفي نفس الإطار، يقول كزافييه لوكليرك Xavier Leclercq، نائب الرئيس في مؤسسة (سي إم إيه- سي جي إم- إس إيه): «نحن مقتنعون تمامًا بأن الغاز الطبيعي المسال سيكون عاملًا رئيسيًا في أعمالنا. فعملاؤنا الكبار، مثل: أمازون Amazon، وول مارتWalmart، ونايكي Nike، وأيكيا IKEA، يطلبون منا حلولًا فعالة لإزالة انبعاثات الكربون، ونحن نريد أن نمتلك هذا الحل».

وتشمل شركات النقل البحري الكبرى الأخرى، التي تشغل سفنًا تعمل بالغاز الطبيعي المسال خط إن واي كيه NYK وميتسوي أو إس كيه Mitsui O.S.K. Lines اليابانيين. وفي ماليزيا يوجد خط إم أي إس سي بيرهادMISC Berhad، إلى جانب شركة تيكاي جروب Teekay Group، المشغلة للناقلات البحرية المدرجة في بورصة نيويورك، ومجموعة بي دابليو جروب BW Group في النرويج وسنغافورة.

وتضخ شركات النقل البحري العملاقة هذه استثمارات كبيرة على أمل تشغيل سفنها بالغاز الطبيعي المسال، على الرغم من أنه ما زال من غير الواضح إلى أي مدى سيأخذ الوقود مشغّلي السفن نحو مستقبل خال من الكربون.

ورغم كل هذه الجهود، لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن الغاز الطبيعي المسال هو مجرد وقود أحفوري، ولا يلبي هدف المنظمة البحرية الدولية بصورة كاملة.

وبشكل عام، تشير التقديرات إلى أن الغاز الطبيعي المسال يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 20 ٪ فقط، وذلك وفقًا لما تؤكده شركة دي إن في جي إلDNV GL، وهي شركة لتصنيف السفن مقرها النرويج.

ومن الجانب العلمي، فالميثان هو العنصر الرئيسي في تكوين الغاز الطبيعي، ويتم إطلاق بعضه في الجو عندما لا يحترق الغاز الطبيعي بالكامل. ووفقًا لما يوضحه مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية عن خطورة الميثان فهو «أقوى بكثير من الغازات الدفيئة الناتجة عن ثاني أكسيد الكربون، وأكثر قدرة بحوالي 80 مرة على حجز الحرارة من ثاني أكسيد الكربون أيضًا».

وفي هذا الصدد، يقول مصنعو أحواض بناء السفن، إن الميثان الناتج عن احتراق الغاز الطبيعي يتم بكميات صغيرة، وأنهم يعملون بصورة أكبر على إنتاج وقود سفن أكثر نظافة.

لكن تقريرًا صدر مؤخرًا عن المجلس الدولي المستقل غير الربحي للنقل النظيف، بتكليف من مجموعة ستاند دوت إيرث Stand.earth البيئية، قال إن السفن التي تستخدم الغاز الطبيعي المسال سوف تنبعث منها غازات دفيئة أكثر من السفن التي تستخدم الوقود البحري التقليدي، في إطار عمليات المحرك التقليدية.

وبالنسبة لمشغلي السفن، تلعب اقتصاديات الوقود دورًا كبيرًا، حيث تكلف صناعة السفن، التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال، حوالي 15٪ أكثر من بناء السفن التي تستخدم النفط الثقيل التقليدي، ولكن - على الجانب الآخر- فإن تعبئتها بالغاز بعد ذلك تكون أرخص بنحو 20٪، وقد تصبح أكثر فعالية من حيث التكلفة مع نمو إنتاج الغاز الطبيعي حول العالم.

وفي الفترة الأخيرة، ازداد فرق السعر بين النوعين بشكل ملحوظ، منذ أن بدأت السفن هذا العام باستخدام مزيج الوقود الجديد، الذي تنبعث منه كميات أقل من الكبريت، ويكلف حوالي 50٪ أكثر من النفط الثقيل التقليدي.

وعن هذا الأمر يوضح لوكليرك: «هذا الفرق في السعر يدفع مسؤولي القطاع إلى الاستثمار في بناء مثل هذه السفن».

وأضاف: «أرى أن الغاز الطبيعي المسال هو أفضل حل متاح لتشغيل السفن حول العالم على مدار العشرين عامًا المقبلة».

وبالنظر إلى لغة الأرقام، فسنجد أن الأمر مختلف بالتأكيد، حيث لا يوجد سوى 746 سفينة تعمل بالغاز الطبيعي المسال قيد الاستخدام و243 سفينة أخرى تم طلبها، وذلك ضمن أسطول عالمي إجمالي يبلغ حوالي 60 ألف سفينة تعمل في المحيطات المختلفة، وذلك وفقًا لبيانات مؤسسة فيسيلس فاليوVesselsValue، لكن رغم ذلك فإن نقص الوقود البديل يعني أنه يمكن بناء مئات السفن، التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال في السنوات المقبلة.

ولا يزال أمام حلول الطاقة البديلة المقترحة، مثل: البطاريات أو الهيدروجين أو الأمونيا أو الوقود الحيوي، سنوات عديدة لإثبات نفسها كحل واقعي بديل لأنواع الوقود التقليدية.

ويقول العديد من المديرين التنفيذيين في القطاع الخاص، إن تحقيق هدف تخلص السفن من انبعاثات الكربون في المنظمة البحرية الدولية بحلول 2050 سيكون صعبًا.

وفي إطار متصل، يعتقد بعض ملاك السفن أن الغاز الطبيعي المسال قد يصبح الوقود البديل في القطاع على المدى القريب، حيث تبحث الصناعة عن بدائل أنظف.

وعن ذلك يقول لوكليرك: «إذا أردنا تشغيل سفينة شحن في المحيط بالبطاريات، اليوم، فسوف يستغرق ذلك 146٪ من مساحة الشحن الإجمالية على السفينة، أما الهيدروجين، الذي يجب أن يكون مضغوطًا أو مسالًا، فسيحتاج إلى ستة أضعاف المساحة، وأربعة أضعاف وزن تخزين الوقود الحالي، وبالتالي ستخفض سعة السفينة بأكثر من الثلث».

وحتى الآن، لم تعبّر المنظمة البحرية الدولية عن موقفها بشأن استخدام الغاز الطبيعي المسال، ولكن استبدال الوقود التقليدي أصبح جزءًا رئيسيًا من مداولاتها.

وتقول المتحدثة الرسمية باسم المنظمة: «الغاز الطبيعي المسال المستخدم كوقود للسفن يقلل بدرجة كبيرة من انبعاثات أكاسيد الكبريت والجسيمات، مقارنة بالوقود النفطي التقليدي، ويسهم أيضًا في تقليل أكاسيد النيتروجين، ولكن يمكن أن يكون هناك انزلاق لغاز الميثان؛ لذا تدرس المنظمة البحرية الدولية طرقًا للحد منه».

وبالنسبة لمشغّلي السفن حول العالم، يُعدّ التحول إلى استخدام الغاز الطبيعي المسال محطة ضرورية على طريق طويل للتخلص من انبعاثات الكربون، حتى لو لم يتبنّوا بعد ذلك الاتجاه.

ويختتم لوكليرك حديثه بقوله: «هدف المنظمة البحرية الدولية طموح، لكن ليس لدينا خيار آخر».