طيف السلوم

في عصرنا الحالي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مهمة جدا بل إنها أساسية لدى الكثير خاصة عند الشباب، حيث انغمس الناس داخل الشاشات ووصل الأمر إلى إنشاء علاقات افتراضية غير حقيقية ومزيفة، وكأن العالم اجتمع في قرية افتراضية صغيرة، حيث إن الحديث عن هذا الأمر له الكثير من المؤيدين ومن مثله المعارضين لذا كن أنت الحكم وتخيل نفسك من غير هذه المواقع، كيف من الممكن أن تصبح حياتك؟ ما التغيرات التي ممكن أن تحدث لك؟.

إن لهذه المواقع سلبيات وإيجابيات وتختلف حسب الآراء والاتجاهات، إلا أن هذه المواقع أحدثت الكثير من الفروقات المتفق عليها، والتي لم تكن موجودة من قبل، وأعتقد أن هذه التغيرات هي أسباب رواجها عند الناس، مثل حرية إبداء الرأي فهي وسيلة سريعة ومفتوحة للكل لتبادل الآراء وطرحها، بل إنها أحيانا تكون أسرع الوسائل لإيصال الآراء والتأثير على الرأي العام.

ولتكون على بينة واضحة عن الإحداثيات التي أحدثتها هذه المواقع والتغيرات الجذرية التي أجرتها على العالم برمته، ليس عليك إلا الرجوع بخيالك إلى الوراء قليلا، إلى الأيام التي كان الراديو سببا لتجمع أهالي الحي والجيران والأصدقاء، حيث كانت العلاقات في تلك الفترة قوية وحقيقية ليست افتراضية وهمية، والأيام التي تكتب فيها الرسائل وترسل عبر البريد، وكيف كان لتلك الرسائل قيمة عظيمة عند أجدادنا وأهلينا قديما، لدرجة أنهم يحتفظون بها على مر السنوات لأنها تركت أثرا عظيما في نفوسهم لقيمتها المعنوية.

قديما كان الناس يجتمعون كثيرا والأقارب يتقابلون بشكل شبه يومي، وكانت العلاقات الأسرية عظيمة ومقدسة، ولم يكن الناس في ذلك الوقت يكتفون برسالة للمباركة بنجاح ما أو بتحميد لهم بالسلامة على حادث ما أو ما شابه ذلك، نفس ما نراه اليوم على أبنائنا وبناتنا من استخفاف كبير بهذه العلاقات المهمة التي من شأنها التقدير والاهتمام، إلا أن هذه المواقع اختصرت هذه العلاقات الأخوية والأسرية والاجتماعية إلى رسالة صغيرة أو إلى «لايك»، ليعبر فيه عن اهتمامه عكس سابقا، فكان الشخص الذي لا يحضر تجمعا أو لا يزور مريضا يستنكر من قبل المجتمع، وردا على من يقول اختصرت المسافات، هي حقا اختصرت المسافات واختصرت معها المشاعر العميقة للعلاقات، سمعت جدي معاتبا وغاضبا على ما يشهده العالم حاليا من تغيرات بسبب هذه المواقع قائلا: نحن قديما إن لم نجد ما نفعله نساعد الجيران أو نذهب لزيارة أقاربنا البعيدين عنا مسافة.

إنني لا أعتب على وجودها، بل أعتب على سوء استخدامها فالبعض أصبح يستخدمها وكأنها ضرورة من ضروريات الحياة شأنها شأن الماء، وهذا ما أدى إلى إنشاء علاقات وهمية افتراضية خلف الشاشات الزائفة بعيدا عن العلاقات الحقيقية الدائمة، واسترخاص هائل بقيمة هذه العلاقات، فيستمر الشخص في استخدام هذه المواقع متجاهلا أن لنفسه عليه حقا، فهي تحتاج للتأمل والراحة والاستقرار النفسي، هذا وكما أوضحت دراسة أجرتها جامعة كوبنهاجن أن ابتعاد الشخص عن مواقع التواصل الاجتماعي والتي تسمى «السوشيال ميديا» لمدة أسبوع يعزز استقراره النفسي، ويصل به إلى نقطة اتزان في حياته ويخلصه من العديد من الصفات السيئة وعلى رأسها الحقد والحسد.

في النهاية لمَ لا نتخيل أنفسنا بين هذا وذاك؟ لم لا نستغل أوقاتنا بالمفيد الدائم، ونبني أفكارنا بالكتب ذات المعلومة الحقيقية، ونملأ علاقاتنا بالحقيقة والحب والوفاء والتقدير الذي تستحقه، ونكون من حولنا علاقات اجتماعية حقيقية ليست من خلف الشاشات الزائفة؟ وفي ذات الوقت نستخدم هذه المواقع لفترة قصيرة ونمنح أرواحنا بعضا من الاستقرار النفسي، فدائما خير الأمور أوسطها.

taif.lsloom77@gmail.com