د. شلاش الضبعان

ذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد: دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فأشار إليه إلى وِسادةِ فلم يَجلس عليها فقال له‏:‏ ما مَنعك يا أَحْنف أن تَجلِس على الوسادة فقال‏:‏ يا أمير المُؤمنين إنَّ فيما أَوصى به قَيسُ بن عاصم ولدَه أن قال‏:‏ لا تَسْع للسُّلطان حتى يَمَلَّك ولا تَقْطعه حتى يَنْساك ولا تَجْلِس له على فراش ولا وِسادة، واجعل‏‏ بَينك وبينه مَجْلسَ رجل أو رجلين.

مجالسنا حكاما ومحكومين هي أحد مصادر فخرنا، وهي مجالس لها آدابها التي تختلف باختلاف المناطق، ولكنها تتفق على قيم إكرام الضيف واحترام الكبير والحرص على معالي الأمور.

في مجالسنا هناك نظام للقهوة يضمن بأن يأخذ الضيف راحته وكفايته، وفي مجالسنا هناك نظام للجلوس فللكبير منزلته وللغريب منزلته مهما كان سنه، والابن لا يجلس بجانب والده حتى لا يضايقه أو يستأثر بشيء عنه، وإذا تحدث شخص بكلام موجه لمن في المجلس سكت الجميع، وفي بعض المجالس لا يمكن أن ترى مدخنا لأنهم يستعيبون ذلك، وكذلك يقال الأمر عن الجوال.

مجالسنا مدارس ويجب أن نحافظ على هذا الدور ولا نتنازل عنه، مهما كانت آراء من لا يملك مجلسا ولم يدخل بيته الرجال، فهذا ديننا وهذه قيمنا، وقد قال حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وآله وسلم «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحْسِنْ إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، والمجلس يحقق ذلك كله.

أيضا يجب أن نحرص على تربية أولادنا على ذلك، من خلال أمرين: العناية بمجالسنا الخاصة، والحرص على ألا يغيب الأكارم عنها، بحضور وعناية فائقة منا ومن أبنائنا، فالعمالة التي تقوم ببعض مجالسنا لن تدوم، وفيها دليل على أننا خسرنا أبناءنا بتعامل غير مناسب منا في معظم الأحيان.

الأمر الثاني: الحرص على أن يحضروا معنا للمجالس التي ندعى لها مع مراعاة الآداب، والحرص على تقديم خير أنموذج لهم ولعائلاتهم.

وقد ذكرني هذا بقصة، فقد جمعني يوما مجلس بأحد الأفاضل، وكان مع الرجل ابنه الذي لم يترك شيئا في المجلس إلا قفز عليه وأسقطه، وفي أحد الفواصل التفت إلي الوالد وقال بابتسامة عريضة: لقد حضرت يوما عندك دورة في الثقة بالنفس، وربيت ابني على ذلك.

يظهر أن الدورة لم تنجح.

shlash2020@