د. سعيد عطية أبوعالي

قررتُ في مقالتي السابقة سقوط نظرية الأستاذ الأمريكي صامويل هنتنجتون بأنَّ الإرهاب يقوم به المسلمون وأنَّ (حضارة الإسلام) تصارع الحضارة الغربية أو أنها -أي حضارة الإسلام- جزء من صراع الحضارات في عالمنا المعاصر. نظرية هنتنجتون ينسفها السلوك الحضاري والمتمدن للمسلمين عبر تاريخهم. المسلمون اعتمدوا في الدعوة إلى دينهم على ركيزتين أساسيتين هما: الإقناع واحترام الآخر. الدعوة الإسلامية في أساسها نشاط عقلي أساسه العلم، واحترام الآخر ينطلق من حقيقة كون الإسلام دعوة إنسانية. الدعوة نشاط إنساني يتعلق بالإنسان ولا يرتبط بزمان ولا بمكان. فالزمان كله إلى يوم الفناء ملك للدعوة، والمكان غير محدد، فالجغرافيا على سعتها ميدان للدعوة.

وللدعوة أساليب حضارية متجددة منها الإقناع والقدوة الحسنة. فكم من عالم ومفكر درس مبادئ الإسلام فاقتنع بها وأسلم. والأمثلة على ذلك كثيرة. ولعلَّ موقف الحرَّاس الجزائريين المسلمين في عام 1941م، عندما أمرهم القائد الفرنسي بإطلاق رصاص رشاشاتهم على سجناء قاموا بحركة تمرّد داخل السجن، فرفضوا بحجة أنَّ دينهم -الإسلام- يمنعهم أن يقتلوا العزَّل من السلاح.. وبالصدفة السعيدة كان بين المتمردين المفكر الفرنسي روجيه جارودي غير المسلم (آنذاك). وهذا دفعه لدراسة الإسلام دراسة معمقة ممَّا جعله -رحمه الله- يعتنق الإسلام في سنة 1982م.

المسلمون اليوم مطالبون بتحقيق العدالة وتعزيز الحرية وتنمية وسائل العيش الكريم ليس لأنفسهم فحسب، بل ولجميع بني الإنسان في كل أرض.

إنَّ حياة المسلم يجب أن تقوم على الأخلاق في السلم وفي الحرب. المسلم مطالب بطلب العلم حيثما كان وتسخير هذا العلم لصلاح الإنسان حيثما كان وكيفما كان انتماؤه الديني والثقافي. فالعلم المولِّد للقنابل النووية والهيدروجينية والبيولوجية ليس علما إنسانيا بل هو وسيلة شيطانية لإبادة البشر.

واقع المسلمين الآن يوحي بالتفرُّق، بل والتنازع على الحدود بين الدول. تنازعٌ حتى على الجاه. واقعهم ينمّ على أنهم بعيدون عن فضيلة (ما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام). واقعهم يجسِّد عدم الاكتراث بالمسؤولية الشاملة.

واقع المسلمين يدلُّ على تفريطهم بمبدأ الوحدة فيما بينهم مع أنَّ هذا المبدأ هو أساس في مقاصد الدين. وحدة الوجود فهم أبناء عقيدة واحدة أساسها الدين. وحدة المصير المشترك؛ بل وحدة المستقبل.

للمسلمين منظمات دولية وإقليمية ولكنها تفتقر إلى آليات التوحُّد والوحدة. جامعة الدول العربية مقرها بجمهورية مصر العربية وعمرها خمس وسبعون سنة، حيث تأسست عام 1945م تتكون من اثنتين وعشرين دولة. والعرب يزيد عددهم على أربعمائة مليون نسمة. وللمسلمين عموما منظمة التعاون الإسلامي وقد تجاوزت الخمسين سنة منذ تأسست في عام 1969م ومقرها المؤقت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بانتظار تحرير مقرها الدائم المفترض وهو مدينة القدس السليبة، وتتكون المنظمة من سبع وخمسين دولة وعدد السكان يزيد على مليار وثمانمائة مليون نسمة، ولكن هاتين الهيئتين العريقتين بالرغم من مضي عقود من السنين على إنشاء كل منهما ما زالتا تحاولان ترسيخ وجودهما بتفعيل مبدأ التضامن والتعاون فيما بينهما.

إنَّ المسلمين -عربا وغير عرب- مطالبون بتعزيز وجودهم وتكريس قوتهم الاقتصادية فلهم مقدَّرات اقتصادية، وثروات طبيعية؛ وبلادهم تحتوي على ممرَّات عالمية حيوية في البر والبحر والجو، ممَّا يعزِّز نظرتهم الإنسانية تجاه شعوبهم وشعوب العالم أجمع. إنَّ على المسلمين -كل في وطنه- الالتفات إلى الصناعة والزراعة والتقنية. عليهم تصنيع ما يلبسون وزراعة ما يأكلون في ظل تقنيات عصرية جديدة.

وفي ختام رؤيتي هذه لا أنسى الإشادة بما يجري في بلاد الحرمين الشريفين من بوادر نهضة معاصرة ترتقي بالمواطن السعودي، وتحترم الشقيق العربي والمسلم، وتحافظ على قضايا العرب والمسلمين، وتتجاوب مع مسيرة التقدم والرقي في جميع بلدان العالم. إنَّ الخطة الوطنية 2030 تمثِّل خارطة فاعلة لنهضة شاملة تجعل المملكة العربية السعودية عضوا بارزا في عالم الثورة الصناعية الرابعة، والله ولي التوفيق.