فهد السلمان

مؤسف أن يضطر أي أديب تحت وطأة ظروف الفاقة، وضيق ذات اليد إلى أن يلجأ للجهر بالشكوى عبر وسائل التواصل، ومؤسف أكثر وأكثر أن يصل الأديب والمفكر إلى مثل هذه الحال، بحيث لا يعود يستطيع أن يتدبر شؤون حياته، ولا أن يؤمن ثمن دوائه، هذه مسؤولية أخلاقية قبل كل شيء على الجسم الثقافي والأدبي، وتاليا على مؤسساته، التي تعرف، ويعرفون معا أن الأدب لا يؤكل عيشا، كما كان يقول الأديب محمد حسين زيدان رحمه الله: «لا تسل أهل المعاني عن المباني» رغم أهمية الأدب والفكر في تجسيد هوية وشخصية الوطن الثقافية، ويلزم بالتالي إزاء من نذر حياته لخدمتهما ألا يترك في مهب الريح، يكابد غوائل الحياة وظروفها، وكأننا نريد أن نحاسبه على خياره، أو أن نجعله يتجرع كساد بضاعته، في زمن التسليع، وتثمين التوافه. يلزم أن نعيد إليه كرامته، بصفته أحد صناع الهوية الثقافية للبلد، وهي الهوية الحقيقية التي تحدد القيمة المعنوية لهذا البلد أو ذاك بوصفها إحدى أهم أدوات قوته الناعمة.

كانت الصحف فيما مضى، وقبل أن يتلاشى دورها أمام صناعة الإعلام الجديد، وتتهاوى مداخيلها إلى ما يوازي كلفة التشغيل، أو ربما أقل، حيث تواجه اليوم ما يشبه الموت البطيء، كانت تقوم مشكورة بدور مساعد لهذه الشريحة من جهة نشر إنتاجهم، أو استكتاب بعضهم، وتعويضهم بمقابل مقنع إلى حد ما، يكفي لأن يحول بينهم وبين الوقوع في شرك الفاقة، أما اليوم، وبعدما استغنت الصحافة عن خدمات الكثيرين منهم، أو ساومت بعضهم لنشر إنتاجهم بأبخس الأثمان، نتيجة ظروفها المادية الشحيحة، فلم يعد أمام هذه النخبة المنكسرة، سوى التواري عن الأنظار، وتجرع مرارات واقع بئيس، بات يتنكر لهم، ولأدبهم وفكرهم، ويعدهم من سقط المتاع، كما لو أنهم مجرد بقايا أرشيفية أو قطع أثرية يجب أن تنقل إلى متاحف التاريخ، وهذا ما لا يليق بصناع المحتوى الحقيقي، ومن أخذوا على عاتقهم، وبمبادرات شخصية رعاية الأدب المحلي، ووضع بصمة بلادهم على الخارطة الأدبية والثقافية، إلا إذا كنا ننتظر منهم أن يتحولوا إلى مهرجين في السناب شات، والإنستجرام، ليزاحموا مشاهيرها فهذا شأن آخر!!.

وإذا كانت الشجاعة قد واتت أحدهم ليجأر بالشكوى أمام الملأ، فإن كثيرين ممن لفظتهم الصحافة، وعذرا لهذا التعبير، لكنها الحقيقة، وتخلت عنهم المجلات لضيق ذات اليد، وممن كانوا يعيشون على ما تجود به عليهم، من الأدباء المشتغلين بالجوانب الإبداعية، يواجهون اليوم المتاعب والمصاعب التي لا تليق بقامات أدبية وفكرية أسهمت ذات يوم في بناء الثقافة الوطنية، ومنهم من لا تزال أرصدته من الكتب والمؤلفات تحتفظ بذكره، وتشهد بإنجازه. لهذا يلزم أن تكون ثمة قراءة موضوعية لواقع حال هذه النخبة التي لم تعد نخبة، لجبر كسرها، وحفظ وتثمين دورها في ثقافة الوطن، وإعادتها إلى خط الانتاج الأدبي والفكري.

fmsr888@gmail.com