د. فالح العجمي

عطفاً على مقالة الأسبوع الماضي عن مشاهير التواصل الاجتماعي، نتحدث اليوم عن مدى ضررهم على المجتمع؛ في صناعة القدوة السيئة، وفي إثارة قضايا جدلية يتم التلاعب فيها بقيم الإنسان واحترامه للأنظمة والثقافات، من أجل استمرار مسلسل بالونات الشهرة التي يتعلقون بها، لكونها رصيد إنجازهم الوحيد في الحياة.

ونبدأ في الحديث عن الثلة المشهورة -للأسف بسبب سذاجة كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وظنهم أن المضحك والمهرّج يستحق المتابعة-، التي أصبحت سيئة السمعة بسبب الهياط وقلة الأدب والتحدي. وكأن هذه المجموعة لم تجد، بعد تنقّصها لشيمة الرجل السعودي، وأنه لا يستطيع أن يجلس سويّ السلوك بجانب امرأة في موقع العمل إلا إن كان عنده مرض عضوي يجعل شهوته لا تثار، من طريقة لإبهار متابعيها إلا من خلال تهريب طيور القمري من السعودية إلى بريطانيا، والقيام بتنتيف الريش في فندق فخم بالعاصمة البريطانية لندن، وطبخها في غرفة الفندق، ربما لإظهار أن المشاهير فوق القانون، وكما أظهر بعضهم التباهي بالقدرة على دفع أي غرامة «بخشم الريال»!

ولن نتوقف كثيراً عند تحليل ما قام به كل فريق من مناوئيهم أو مناصريهم؛ من الهجوم على مثل ذلك السلوك، الذي ينبئ عن عدم احترام لأنظمة البلد، الذي يزورونه وثقافته، وأنهم يشوهون سمعة السعودية، التي تقوم بكثير من الجهود وتدفع كثيراً من الأموال لتحسينها، أو الدفاع عنهم من حسابات مناصريهم، الذين يرون أنهم أحرار فيما يفعلون، وأن الغاضبين من سلوك تلك الثلة حاقدون أو «فاضين» و«ملاقيف» في ترديد لكليشات أحد تلك المجموعة سالفة الذكر.

فالمهم هو من أين يجد أولئك الدرباوية الأموال، التي يتبجحون بأنهم لا يهمهم الإنفاق منها على غرامات يتعمدون الأفعال، التي يتوقعون أنها توجبها، ويظنون من خلال تضخم أرصدتهم أنهم فوق القوانين في أي مكان؟ والسؤال الأهم، هل وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها مثل هؤلاء الفارغين هم حديث المجتمع في كل مجلس، وهم قدوة كل مَنْ يطمح إلى تحقيق ذاته من شباب المجتمع، وذلك من خلال تحقيق المال أو الشهرة واعتراف الناس بقيمته وقيمه؟ ولنرجئ الإجابة عن السؤال الأخير، لنرى أولاً مصادر ثروة أولئك المنعمين الجدد. معروف تماماً أن مصادر ثرواتهم هي الإعلانات حصرياً، كما أن أصحاب الإعلانات يتوجهون إليهم بسبب كثرة متابعيهم، وأنه بقدر عدد المتابعين تكون قيمة الإعلان ومدته. لذا فإنه غريب تعالي بعضهم على المتابعين، أو حتى استسخافه لهم أو السخرية منهم، مثلما قام أحد تلك الثلة بممارسته بعد واقعتهم المشينة في لندن، من أن تلك الوشاية لن يقوم بها إلا «متابعيني أنا، لأنهم نجوس» أو شيء من هذا القبيل كما قال. فكيف يرضى كثير من أولئك المتابعين بأن يكون مسهماً في كون هذه العينات تصل إلى الشهرة والثراء؟ ثم هل متابعة هذا الهياط تحقق شيئاً من المتعة؟ هزلت إن كان ذلك واقعاً! وأخيراً نحاول الإجابة عن السؤال الأهم في عجالة، نعم نحن وصلنا، منذ فترة التخلي عن القراءة، والإمساك بالأجهزة اليدوية على أنها وسيلة المعرفة الوحيدة، إلى مرحلة أصبح فيها الشيخ الثرثار المنمق الكلام، والمهرج الفارغ من الفكر وغيرهما من أشباههما هم القدوة، التي يرغب الناشئة أن يكونوا مثلهم، لأنهم يرون الجاد والمستقيم قليل الحيلة.