د. شلاش الضبعان

ذكر الراغب الأصبهاني في كتابه محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: تصدى رجل للخليفة العباسي هارون الرشيد، فقال: إني أريد أن أغلظ عليك في المقال، فهل أنت محتمل؟ قال: لا! لأن الله تعالى أرسل من هو خير منك إلى من كان أشرّ مني، فقال: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى).

لا يمكن أن تحيا المجتمعات بغير النصيحة مهما قال البعض، فالضرر تتعدى آثاره، ومن خرق خرقاً في السفينة أغرق الجميع، كما أن النصيحة علامة رقي وتحضر وحب، فلا ينصحك إلا من يحبك ويريد لك الخير، ولذلك قال المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-: الدين النصيحة، وبقدر الحاجة للنصيحة تكون الحاجة للرفق في كل شأن من شؤوننا، في بيوتنا، في مؤسساتنا التعليمية، في مساجدنا، في مجالسنا، عبر معرفاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي.

هناك عنف في النصيحة من البعض غير مبرر ولا يحقق الهدف المرجو، إن كان هدف النصيحة حقاً هو حب الخير للغير، والرغبة في الإصلاح، لا الانتقام أو الشماتة أو السعي لفرض الرأي.

إن مما يجدر بكل محب وحريص وناصح أن كليم الله موسى عليه السلام الذي هو خير منا أرسله الله إلى من هو شر من مسؤول أخطأ، ورأينا واجبنا نصحه من أجل مصلحته ومصلحة المجتمع.

وشرٌ من موظف أو طالب أخطأ فرأينا ضرورة محاسبته حتى لا يستمر في التردي ويجرئ غيره.

وشرٌ من قريب رأينا وجوب مناصحته لاعتقادنا بأنه يسعى في تفريق جمعنا وتشتيت شملنا بقالة السوء أو بمحاربة الناجحين الذين حقهم أن نفخر ونفاخر بهم.

وشرٌ أيضاً من صديق اختلفنا معه في وجهة نظر حول أمر يحتمل وجهات النظر، أو حتى لا يحتملها فقاطعناه وابتعدنا عنه بزعم نصحه.

وشرً ولا شك من زوجة أو ابن أخطأ حتى ولو كان هذا الخطأ قاتلاً، فحاربناه وجعلناه يتردى أكثر باسم النصيحة.

النصيحة قيمة عالية، ونحن بأمسّ الحاجة إليها، ولذلك لا بد أن نحافظ عليها ونرقى بها بتقديمها في أجمل قالب، قالب الرفق والكلمة الطيبة.

shlash2020@