هدى الغامدي

نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، فقد قال الله- جل وعلا- في محكم كتابه الكريم: «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها»، ومن نعمه الكثيرة العظيمة هي نعمة الطعام والشراب، لذا فحين تطالعنا الأرقام الهائلة لأعداد الجوعى في العالم يصيبنا الفزع، وحين تطالعنا إحصائيات الطعام المهدور في العالم نكون أكثر فزعا بكل أسف. قبل أيام- ولله الحمد- وجهت وزارة الشؤون البلدية جميع الأمانات بإلزام المطاعم وقصور وقاعات الأفراح بالتعاقد مع جمعيات حفظ النعمة، وبلا شك فإن هذه الخطوة جاءت تجنبا للإسراف والتبذير في الطعام ورمي بقية الأطعمة على جوانب الطرق، وسوف يكون دور جمعيات حفظ النعمة هي المحافظة على الفائض من الطعام في المناسبات الخاصة والعامة وتقديمها للمحتاجين، وحسب الموقع الرسمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأسف فإن ثلث سكان العالم يهدر الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، حيث تعادل الكمية المهدورة من الغذاء العالمي حسب إحصائيتهم حوالي مليار و300 مليون طن سنويا، ذلك يدل على أن تعامل الناس باستهتار مع نعمة الطعام هو الكارثة التي تسببت بالمآسي الإنسانية المتمحورة حول الغذاء حول العالم، ولا بد من الاعتراف بأن أغلب الناس بحاجة إلى التوعية بالطرق المثلى التي تحفظ هذه النعم، ومن ذلك التوعية الإيمانية والآداب المسلكية، ولنا في هدينا النبوي مثل عليا يمكن للبشرية الاستفادة منها؛ للحد من مظاهر الإسرف وعوائد التبذير، فمن الهدي النبوي في التعامل مع الطعام: الاعتدال والتوسط وعدم المبالغة فيه، فلم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أكولا شرها، ولا متكلفا مكثرا، بل كان يأكل حاجته إن وجد، ومن هديه أيضا في التعامل مع الطعام: البساطة المتناهية في نوعية الطعام الذي يأكله، فكان يأكل ما يجد، ويمتدح الموجود منه، ومن هديه أيضا التواضع للمائدة، وترك مظاهر الترف، ومجانبة طرق المتكبرين في طعامهم فقد نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يكون الطعام سببا للتباهي بين الناس، أو أن يجعلونه سببا للتفاخر بينهم (وللأسف هذا ما يحدث هذه الأيام من التباهي والإسراف المذموم في الولائم والمناسبات وحتى في شهر رمضان المبارك) لأن هذا من عادة الأعراب المذمومة وجاء في الحديث... عن أبي ريحانة عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن معاقرة الأعراب» وهو أن يتبارى الرجلان كل واحد منهما يجاود صاحبه فيعقر هذا عددا من إبله ويعقر صاحبه فأيهما كان أكثر عقرا غلب صاحبه.

دل ما سبق من الأحاديث على حرمة الإسراف في الطعام وأهمية وجودها في حياة الإنسان، فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه، يشكر الله- تعالى- على نعمه، ويحمده عليها، وكان أول نعمة يذكرها هي نعمة الطعام، فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مأوى»، ومن باب شكر نعمة الطعام أن نقتصد فيه، ونتجنب التبذير، قال بعض العلماء: جمع الله الطب كله في نصف آية: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».

@77huda