كلمة اليوم

يبدو أن النظام الإيراني قد أفرغ يديه تماما من كافة أوراق اللعب، حينما أخرج نفسه من إطار الدولة، ووضع كل رهاناته في أيدي ميليشيات إرهابية استخدمها في بناء مشروعه، واشترى ولاءها بالمال حتى أصبحت تهلل باسمه، دون أن يترك لنفسه مجالا لخط الرجعة للعودة إلى صيغة الدولة، الأمر الذي انسحب على طريقة أدائه في معالجة أزماته في الداخل والخارج، فجاءت ردود فعله جهة مقتل رأس حربته، ثم واقعة استهداف الطائرة الأوكرانية ومقتل جميع ركابها أشبه ما تكون بمشاهد من سيرك بدائي، كانت غايته أن يظهر النظام كما لو كان هو من يمتلك كافة أوراق اللعب، ويحدد الخيارات، قبل أن تتجلى الحقيقة التي خرجت من ركام التصريحات النارية عن حالة من فقدان التوازن، وانكشاف الغطاء تماما عن البضاعة الكاسدة التي طالما تاجرت بها طهران، حينما كانت تستخدم عمليات وكلائها الإرهابية كرسائل سياسية للخارج، على أنها القوة الكبرى في المنطقة، وصاحبة اليد الطولى في قضاياها، قبل أن تواجه مأزق مقتل أبرز قياداتها برد فعل طائش لا يمكن أن يوازي ما ذرفته من الدموع، ولا ما أقامته من لطميات التهديد والوعيد والمناحات، بل قبل أن تتنصل من حادثة الطائرة بتلك الكوميديا السوداء في الرواية الرسمية التي كشفت سوأتها عدسة هاتف جوال، وهي ترصد ارتطام الصاروخين بجسد الطائرة، ما أجبر النظام على التنازل عن روايته الأولى، والشروع في بناء مطولة من المعاذير والتبريرات.

وقد اعتاد نظام طهران طيلة العقود الماضية على الاستثمار في إضرار شعبه في الحشد لتأييد سياساته، بدعوى مقاومة العقوبات، ومواجهة ما يصفه بقوى الاستكبار، وصولا إلى توقيع اتفاق الـ 5+1 في عام 2013م في جنيف، قبل أن تتخلص الإدارة الأمريكية الحالية من ذلك الاتفاق، وتفرض جملة من العقوبات على النظام أدت إلى إشعال فتيل الاحتجاجات الشعبية في مختلف المحافظات نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، غير أن النظام لا يزال يعيد ذات التجربة على أمل أن تتسع الهوة بين الموقفين الأمريكي والأوروبي، إلا أن الذي حدث أن فعلت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا مجددا آلية حل النزاعات لفرض الاتفاق النووي، وبات من المرجح إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، مما سيدخل النظام في نفق مظلم قد لا يشبه ما سبقه.

article@alyaum.com