سالم اليامي

يقول الروائي والصحفي البريطاني جورج أورويل: إن لغة السياسة تم تصميمها لتجعل الكذب يبدو صادقا، والقتل يبدو محترما. هذا باختصار هو الموقف الذي اتخذته السلطات الرسمية الإيرانية، أو الحرس الثوري الإيراني، القوة العمياء في إيران. الثامن من شهر يناير 2020م سيبقى تاريخا حزينا ويوما غير سعيد بكل تأكيد على أهل وأقارب الضحايا الذين راحوا بسبب خوف، وجهل النظام الثوري التعيس في إيران. عدد ليس بقليل 176 إنسانا فقدوا حياتهم جراء صاروخ، أو صواريخ عمياء أطلقها الحرس الثوري في لحظة ارتباك عالية أثناء المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وضرب قاعدتين جويتين تضمان جنودا أمريكيين. الكذب صفة ذميمة سواء أكان الذي يكذب فردا، أو نظاما سياسيا. في فجر الثامن من يناير استهدفت طائرة ركاب مدنية أوكرانية بصاروخ، وقيل بصاروخين أطلقهما الحرس الثوري. وكانت الإعلانات الأولى حول الحادث أكثر الأخبار أهمية لإطلاع الناس على حقيقة ما جرى. في ذلك الصباح كان من الأكيد أن طائرة ركاب تجارية سقطت بعد إقلاعها بقليل، لماذا سقطت؟ لا أحد يعرف بما في ذلك الجانبان الإيراني والأوكراني. إيران حاولت أن تكون البوابة الأولى لتزويد الناس بالأخبار حول موضوع سقوط الطائرة، وتطوراته. وذلك لأن الطائرة أو ما تبقى من حطامها على الأراضي الإيرانية، ولأن الحرس الثوري قرر وبسرعة عدم الاعتراف بذنبه في إسقاط الطائرة، وراح يغير من معطيات مسرح السقوط، ويتحكم في عناصر المشهد؛ لتبدو الأمور كما خطط لها. السفارة الأوكرانية وعلى نفس النغمة التي أنتجها الحرس الثوري، أصدرت بيانا أكدت فيه أن حادث السقوط ناتج عن عطل فني في محركات الطائرة. ولكن السفارة وبعد ساعات سحبت ذلك البيان وعادت لتؤكد من جديد أن الأسباب الحقيقية ما زالت بعيدة، وتحتاج لبعض الوقت لظهورها للناس. هنا شعرت إيران - الحرس الثوري- أن لدى الأوكرانيين رأيا آخر، أو أنهم يخططون بشكل مختلف قد يفسد كذبة الجهات الرسمية الإيرانية، التي راحت تركز على مواضيع بعيدة عن السبب الحقيقي والجوهري، وظهر هناك إصرار إيراني على أن سقوط الطائرة المنكوبة فوق سماء العاصمة طهران إنما هو بسبب عطل فني، أو تصرف خارج عن المألوف من قائد الطائرة. إلا أنه وكما يقال حبل الكذب قصير، وجاءت الإشارات الدولية المهمة من جهات اعتمدت على معلومات فنية عالية الدقة مستمدة من مصادر استخبارية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وكندا. هنا بدأ الموقف الإيراني يبدو أكثر هشاشة وبدأت أعمدة دفاعه التي بناها ذهنيا على التنصل من المسئولية تتهاوى بشكل تدريجي. وأدرك الإيرانيون أنه ليس هناك مفر من ذكر الحقيقة أو شيء منها لأن الحقيقة أصبحت بيد الآخرين ولا ينفع إيران إصرارها على التهرب من المسئولية، وبعدما يقرب من ثمان وأربعين ساعة على جريمة إسقاط الطائرة، وقتل جميع ركابها، أعلنت إيران مسئوليتها عن إسقاط الطائرة، الغريب أن النظام الإيراني اعتقد أن حالة الاعتراف التي أعلن عنها في إيران بشكل حزين وبحالة من الرغبة في التطهر السياسي ستكون كافية لامتصاص غضب الخارج على الأقل. ولكن الذي حدث كان شبيها بثورة من الداخل، والخارج، وراحت المظاهرات والاحتجاجات تملأ مدن إيران وجامعاتها، وزادت وتيرة أعمال العنف الداخلي التي راح النظام يتصدى لها بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع. الناس في إيران كشفوا عن قناع كبير يقول: إن بلادهم والمسئولين فيها يمتهنون الكذب، ولا يبالون بأرواح الضحايا، حتى وإن كانوا من أبناء جلدتهم، حيث مات من بين الضحايا ما يقرب من النصف على اختلاف جنسياتهم إلا أنهم من أصول إيرانية، النظام الإيراني - الحرس الثوري- يجهز لكل مناسبة مفرداتها المخادعة، حتى وإن كانت بتغيير الحقائق وتغيير مفاهيم السياسة، واللعب السياسي.

salemalyami@