أنيسة الشريف مكي تكتب: aneesa_makki@

إن لم تكن معي فلا يعني أنك ضدي، هذا منطق العقلاء، أما إن لم تكن معي فأنت ضدي!! فهذا المنطق مرفوض أخلاقيًا وإنسانيًا.

طبيعتنا كبشر.. مختلفة لحكمة. «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

نختلف لاختلاف الأفهام، وتباين العقول، وتمايز مستويات التفكير، الأمر طبيعي جدًا، طريقة التفكير والمبادئ التي تشكل شخصية الإنسان تختلف من فرد لآخر هذا واقع. فالاختلاف سُنّة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية، ومن غير الطبيعي أن يولد اختلافنا في الرأي الكراهية، والحقد الذي لا داعي منه.

ظروف الحياة تجبرنا على أن نتعامل مع مختلف أنماط الشخصية، وهذا التعامل لا يعني أننا في اتفاق دائم معهم، فقد نتفق أحيانًا ونختلف أحيانًا أخرى، فلماذا يصر البعض على فرض آرائهم على الآخرين ويستميتون ليجعلوا منهم صورًا مكررة لهم، أليس من الأفضل الأخذ بأكثر من رأي ليستفاد من وجهات النظر الكثيرة المختلفة؟

«بإمكانك أن تستمر في النظر إلى العالم من كوة جدارك، لكن لا يمكنك أن تجبر العالم أجمع على النظر من خلالها» منطق يقره العقلاء.

نحتاج إلى أن نعتاد ثقافة الاختلاف لا الخلاف، فليس كل ما يعجبنا بالضرورة يعجب الآخرين، وهناك أمور عديدة تختلف وكذلك المعتقدات، والأذواق أيضًا، فليس كل ما يناسب شخصًا يناسب الآخر، «الناس فيما يعشقون مذاهب».

رحم الله الشافعي حين قال: «كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب».. فلكلٍّ وجهة نظر من الواجب احترامها.

الفاروق، رضي الله عنه وأرضاه، رحّب بعرض وجهات النظر، وحث عليها بقوله: «لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها».

الآراء الأخرى تمثل أفكارًا وتجارب أخرى، فلماذا لا نستمع إليها خاصة أنها ستثري ثقافتنا بثروات جديدة وتضيف مخزونا فكريا لأفكارنا، نمحصها ونكسب الصالح منها. التعدد في وجهات النظر يساهم في تصحيح الآراء الخاطئة إذا كان الطرح واقعيًا وشاملًا، بحيث لا يكون نتيجة غرور بالنفس، وحرص على الصدارة، فالأنا المتورمة يومًا ما سيسقط قناعها وتنكشف.

أتعجب للإصرار الغريب من البعض الذي يهوى ويحب خلاف أدب التحاور وإبداء الرأي! أعتقد أن بعضنا لا تزال أفكاره تجري فيها دماء العصبية الجاهلية حتى وإن لبس ثوبه الحضاري.

ثقافة أدب الاختلاف واضحة في سيرة رسولنا محمد «عليه الصلاة والسلام» الذي كان يؤمن بثقافة الاختلاف، والتي هي مناقضة لثقافة الخلاف، حيث إنه «عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم» كان يشاور أصحابه، ونساءه، ويستشيرهم، ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم، فلماذا لا نتبع سيرة سيد البشر ورسول الهدى خاتم النبيين «عليه أفضل الصلاة والسلام»، ونحترم رأي الآخرين، ونتحاور حوارًا حضاريًا إيجابيًا يهدف لصالح المجتمع وتماسكه، بعيدًا عن التعصب والاستبداد بالرأي، كما يفعل البعض وهم مَن دفعني لكتابة هذا الموضوع.