صحيفة اليوم

البلاد تعاني من أنيميا مالية حادة

%22: نسبة الاستثمار المباشر في الناتج المحلي الإجمالي في المكسيك %3 منها فقط لشركات أجنبية

«الاتفاقية مع كندا وأمريكا قد تنقذ الاقتصاد المكسيكي وتتحول إلى حافز لتجاوز الركود، الذي تعاني منه البلاد».. وزير المالية المكسيكي

تتمسك الحكومة المكسيكية بالقشة الأخيرة للخروج من دوامتها الاقتصادية، عبر محاولة الإسراع بعقد الصفقة التجارية المزمعة، التي تجمع بينها هي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، والمعروفة باسم «USMCA».

لكن وعلى الرغم من الآمال الكبيرة، التي يعقدها الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور Andrés Manuel López Obrador’s على تلك الصفقة، إلا أنها قد لا تكون بالضرورة منقذا للاقتصاد المكسيكي، الذي يعاني من مجموعة مشكلات مستعصية، ناهيك عن إصابته بمرض الأنيميا المالية الحادة.

ويشعر وزير المالية المكسيكي أرتورو هيريرا Arturo Herrera بالقلق إزاء الاقتصاد البطيء لبلاده. وفي اجتماعات صندوق النقد الدولي، التي عقدت في واشنطن، شهر أكتوبر الماضي، حث الوزير المكسيكي الكونغرس بشدة على الموافقة على الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا؛ بهدف إنقاذ بلاده من الركود الاقتصادي، وقال الوزير: «قد تنقذ الاتفاقية مع أمريكا وكندا الاقتصاد المكسيكي، وتتحول إلى حافز كبير لتجاوز الركود، الذي تعاني منه البلاد».

ويلفت هيريرا إلى أن حالة عدم اليقين، التي تعيشها المكسيك تمثل عقبة كبيرة أمام الاقتصاد. لكنه مخطئ في رأيه حول قدرة الصفقة التجارية، على علاج فقر الدم الاقتصادي، الذي تعاني منه المكسيك، حيث تعد الصفقة جزءا ضئيلا من الحل، ولكنها غير كافية لتحفيز النمو المكسيكي كله.

وبعيدا عن أحلام الوزير المكسيكي، تشير الأرقام إلى أنه من غير المرجح أن تسترد بلاده عافيتها الاقتصادية، وتجذب عددا أكبر من المستثمرين الأجانب والمحليين -على حد سواء-، حال تنفيذ الصفقة، وذلك بسبب السياسات التعسفية، التي تتبعها حكومة أوبرادور بصفة أساسية.

فمنذ تولي الرئيس المكسيكي الجديد لمنصبه قبل عام، قوض أوبرادور عمل مكتب مكافحة غسل الأموال، وتسبب في تسييس المحكمة العليا، والهيئات التنظيمية، وقيد السلطة الانتخابية المستقلة، واستخدم سلطاته لإعادة كتابة بعض العقود، مما أعطى إشارة للمجتمع الدولي والمحلي بأن «القانون في المكسيك هو ما يقوله الرئيس».

وحسب الفكر الذي يعتنقه أوبرادور، وهو رجل أعمال قديم الطراز، يمكن أن ترى أنه يتمنى عودة المكسيك إلى مرحلة سبعينيات القرن الماضي، عندما كان حكم الحزب الواحد هو السائد، والدولة تملك كل مرافق الاقتصاد.

ويؤيد الرئيس المكسيكي الجديد الصفقة التجارية مع أمريكا وكندا، التي جاءت أصلا حتى تحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية لعام 1994 «نافتا». ولكن لن تنقذ الاتفاقية التجارية الجديدة -ولا حتى عودة «نافتا» نفسها- المكسيك من دوامتها الاقتصادية الثقيلة، طالما يقيم الرئيس المكسيكي اقتصادا مزدوج المعايير، يعتمد على منح مزايا قليلة للمستثمرين الدوليين، ومزايا أقل حتى للمستثمرين المكسيكيين.

على الجانب الآخر، حاول رجال الحزب الديمقراطي في الكونغرس إدراج بنود جديدة، ضمن أنظمة العمل في الصفقة التجارية المزمعة، التي من شأنها التأكد من ضمان حقوق العمال.

ويقال: إن الصياغة الجديدة ستسمح بإجراء تفتيش أحادي الجانب عبر الحدود من قبل الولايات المتحدة، عندما تكون هناك ادعاءات بحدوث انتهاكات عمالية في المكسيك. ولم تكن تلك المادة موجودة في الاتفاقية التجارية الأصلية، الموقّعة في نوفمبر 2018 من قبل البلدان الثلاثة.

وعلق أوبرادور على بند التفتيش الأمريكي على العمال، بقوله: «قلنا لا لوجود المفتشين، لكننا نوافق بالطبع على حل النزاعات، من خلال إنشاء ما يسمى باللجان المشتركة، التي تضم متخصصين تقترحهم البلدان الثلاثة، وتضمن من خلالهم ظروف عمل متساوية»، كما يدرك الرئيس المكسيكي تماما الضرر، الذي يمكن أن يلحقه نظيره الأمريكي دونالد ترامب بالاقتصاد المكسيكي، إذا قالت الولايات المتحدة إن المكسيك «غير مستعدة للصفقة التجارية».

وتبلغ نسبة الاستثمار المباشر في الناتج المحلي الإجمالي المكسيكي حوالي 22% فقط، وهي نسبة منخفضة للغاية، بالنسبة لدولة تأمل في الخروج من دائرة الفقر في أقرب وقت ممكن.

وهناك أرقام مرعبة أكثر من ذلك، فحوالي 3% من إجمالي تلك الصفقات تأتي من استثمارات أجنبية، بينما يتولد أكثر من نصفها من الشركات المحلية، بعيدا عن الـ60 شركة الكبار، المتعاونة مع الرئيس المكسيكي. وبالتالي سيضر الرئيس المكسيكي بهذه الشركات الصغيرة والمتوسطة، حال إصراره على تلك الصفقة التجارية مع أمريكا وكندا.

وبعبارة أخرى، يعد المكسيكيون أنفسهم الموردين الأساسيين للاستثمار في البلاد، غير أن قرارات الرئيس أوبرادور التعسفية قد تلحق الضرر بثقتهم الاقتصادية، وتجعلهم يتراجعون عن ضخ استثمارات جديدة في البلاد.

أيضا، تؤدي سياسات الرئيس أوبرادور إلى تفاقم مشكلة طويلة الأمد يسميها الخبير الاقتصادي المكسيكي لويس دي لا كالي Luis de la Calle بـ«اقتصاد الابتزاز». وهذا الابتزاز يظهر في كل مناحي الحياة بالمكسيك، بدءا من الشخص، الذي يتعين عليك دفع إتاوة له حتى لا يخرب سيارتك عندما تقف في الشارع، ووصولا إلى الجرائم الإرهابية المنظمة، حيث يواجه المكسيكيون الابتزاز كل يوم بانتظام، وفي جميع مشاهد حياتهم.

وفي حقيقة الأمر، فإن أكبر ابتزاز يتعرض له الاقتصاد المكسيكي يتم على أيدي الحكومة نفسها. وعن ذلك يقول «لا كالي»: «الاقتصاد المكسيكي كله قائم على الابتزاز، حيث تمتلك الشركات الكبرى الموارد اللازمة للدفاع عن نفسها من تعسف الدولة، بينما تصبح الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة للابتزاز، عندما تحقق مستوى معينا من النجاح».

ختاما، قد يحصل الرئيس المكسيكي على اتفاقية تجارية جديدة مع ترامب فعلا. لكن في الوقت الحالي، تسبب تعطش أوبرادور للسلطة في تحوله إلى «أسوأ عدو للاقتصاد المكسيكي».