د. فالح العجمي

بالطبع كان الإنسان قد سعى منذ وجوده على الأرض إلى تحسين ظروفه، وتسهيل أمور معيشته مع بيئة الحياة من حوله؛ سواء فيما يتعلق بشروط تعامله الفيزيائي مع تلك الظروف، أو فيما يخص مزاجه وحالته النفسية جراء ما يتعرض له من البيئة الطبيعية أو من الناس من حوله. وكان سعي البشر جميعاً بهذا الاتجاه في فترات التاريخ المختلفة مؤكداً، حتى مَنْ لم يكن منهم يدرك مفهوم السعادة، أو يتعاطى مع النظريات المتعلقة بتحقيقها في الواقع.

ونتيجة لهذا الاهتمام البشري بظاهرة «السعادة» ومتعلقاتها، تناولها عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء بطرق فهم ومقاربات مختلفة. كما جرى تعريفها في دراساتهم ومدوناتهم بما يمثل اختصاراً لتجارب بعضهم في التعامل مع عناصرها المتباينة، وطرق تفاعل الناس مع مؤشراتها، أو مدى تطابقها مع وصف البسطاء من البشر وطرق معيشتهم. وهل هي واقع يعايشه الناس فعلاً، أم هي كامنة في طريقة تفكير الناس نحو الأشياء والناس وحياتهم أنفسهم بصورة أكبر؟ وفي ذلك تتحقق مقولة الشاعر الكلاسيكي الإنجليزي وليام شكسبير: «لا يوجد شيء جيد أو سيئ بذاته، بل التفكير فيه هو ما يجعله كذلك» (There is nothing either good or bad, but thinking makes it so) على افتراض أنها أحكام قيمية يصنعها دماغ الإنسان، فتؤثر في مشاعره بالرضا والبهجة أو غير ذلك. وربما يسند مقولة شكسبير ما قاله معاصره وابن بلده العالم التجريبي والفيلسوف فرانسيس بيكون من أن «مَنْ يعتقد أنه أسعد الناس، فهو أسعد الناس فعلاً، أما مَنْ يعتقد أنه أكثر الناس حكمة، فهو أحمقهم»؛ لكون السعادة تنعكس عن الاعتقاد بها، خلافاً للحكمة التي تتطلب شروطاً موضوعية لتوافرها في الناس، وليست شعوراً يتملكه المرء بمجرد طغيانه بداخله.

وفي فترات التاريخ القديمة كانت تلك المساعي ترتبط أساساً بالنظريات الأخلاقية، والقيم السائدة في المجتمع (الجمعية منها والفردية). وكان المشتغلون على بحثها هم الفلاسفة، أو الوعاظ في بعض الممارسات الدينية وحركات الإصلاح الاجتماعي. ومن هنا ارتبطت بحركة الينبغيات في الدراسات الفلسفية أو محددات السلوك في الدراسات النفسية، وبالآليات المطلوب الوصول إليها في النظريات التربوية، أو تدريبات تطوير الذات في العصر الحاضر.

فهل السعادة، التي يبحث عنها الإنسان المعاصر هي مجموع الممارسات المبهجة، التي يسعى كثير من البشر إلى التمتع بها، وامتلاك السبل إلى الوصول إليها، من متعلقات مادية، وعناصر مختلفة تسهم في صنع السعادة الداخلية، مثل العائلة المتماسكة والأصدقاء المخلصين والبيئة الاجتماعية الودية، وغير ذلك مما لا يلمسه المرء بصورة حسية، لكنه يجد صداه في ارتفاع معنوياته؟ وبالطبع ترتبط المعنويات الإيجابية أو السلبية بارتفاع مستويات الهرمونات المؤدية إلى الإحساس بالسعادة أو فقدان ذلك الإحساس. فكثير من الناس يظن بأن الحصول على المال يؤدي به إلى مراحل متقدمة من السعادة، وبعضهم يظن الارتباط بشخص يحلم بمواصفاته يصنع له أقصى درجاتها، ومنهم مَنْ يربطها بأولاد تتحقق من خلالهم استمرار السلالة الجينية خاصة في بلدان الشرق، وآخرون يرون سبيل تحقيقها بواسطة الإنجازات، التي تجعل المرء يشعر بدرجة عالية من تحقيق الذات ومعها ارتفاع الثقة بالنفس، وما يصاحبها من هرمونات تؤدي إلى شعور بالنشوة والتعالي الروحي، وأغلب تلك النماذج تكون في بلدان متحضرة تربط قيمة الشخص الذاتية بما ينتجه.

@falehajmi