حصة الدوسري - الدمام

تفضل خدمة الأيتام بالدمام على العمل في الفنادق الفاخرة

حصلت على لقب «أفضل طاهية لعام 1440هـ» في دار الحضانة الاجتماعية بالدمام، ولكن طموحها لم يتوقف، ولا تزال تحلم بإكمال دراستها الجامعية «عن بعد»، إنها هدى يعقوب التي حققت قبل تسع سنوات، المرتبة الثانية على مستوى المنطقة الشرقية في مسابقة نظّمتها دار «اليوم» للإعلام، تحت شعار «طبق اليوم»، والمرتبة الثالثة في صنف آخر في ذات المسابقة، وعُرِفَت بين قريناتها بأنها امرأة من طِرازٍ خاص، رغمَ أنها في ذلك الحين لم تكن تتجاوز العقد الثالث من العمر.

وتقول هدى «أم عبدالله»: تزوّجتُ في عُمر السادسة عشرة، وكانَ زوجي يعمل في المقاولات والأعمال الحُرة، وكتب الله لي إنجاب ابني عبدالله، واضطررت للتوقف عن دراستي الثانوية لظروف صحية ألمَّت بي فور ولادة ابني، خشيتُ أني في سِنٍّ ما يتعيّن عليّ التوقف عن الإنجاب، إثر تلك المشكلة الصحية التي تفاقمت حينها، وأنجبت «ولله الحمد» شقيقة له.

مشروع مؤقت

في البداية، كانت الأمور نوعًا ما مُستتبة في منزل «أبو عبدالله»، ولكن ما إن كبُر الأبناء وازدادت الحاجة حتى تفاقم الوضع سوءًا، هنا بدأت رحلة الكِفاح لامرأة لم تكن تعلم أن الله أوجد في كفّيها رزقها ورزق بيتها، بدأت «هدى» بالعمل من المنزل في الطبخ والبيع، وكانت نسبة الإقبال كبيرة، حتى استجدّت لدى شقيقها الأكبر فكرة فتح محل صغير لبيع المأكولات الخفيفة، ومنها بدأت الشراكة معه بالطبخ للمحل، وتقاضيها الأرباح المتفق عليها بين الطرفين، وذلك قبل إنهاء إغلاق المشروع لظروف ألمّت بشقيقها.

وظيفة طاهية

وفي أحد الأيام هاتفتها إحدى موظفات «طاقات» قائلة: أنتِ مُرشّحة لوظيفة «طاهية» في دار الحضانة الاجتماعية بالدمام، تحت مظلة إحدى الشركات المتعاقدة مع الوزارة، هل تقبلين الوظيفة؟

كان السؤال الأجمل والأصعب على قلب «أم عبدالله»، ولكنها لم تتردد لحظة في خدمة الأيتام، وافقت في حينها، وقالت: «ما دام الله اختارني وشرَّفني لخدمتهم فلا خيار لي إلا أن أشكره على عظيم فضله».. وكانت هذه الوظيفة العوض بعد إغلاق محل شقيقها.

وبالفعل عمِلت في مطبخ دار الحضانة الاجتماعية بالدمام، وحقّقت شعبيةً كبيرة في مكانها، حتى مُنِحت ثقة إدارة الدار بأن أُسنِدَت لها مهمة طبخ الولائم وحدها.

مواصلة الطموح

تقول: في ذلك الحين كانت لي رغبة شديدة في استكمال دراستي الثانوية؛ لتتويج ذلك النجاح بشهادة أتألق وأفخر بها، خاصةً أني أحب الدراسة كثيرًا، ولي ميول وطموحات كبيرة لم تنتهِ بعد، وبالفعل حين قررتُ استكمالها، حاول البعض إحباطي؛ لكَون ابنتي ستدرس في المرحلة الثانوية، وكانت تتردد على ألسنتهم عبارات مثل: «ابنتك أصبحت في طولك والآن ستدرسين»، ولكن والدي -رحمه الله- كان دائمًا يكرر على مسامعي قوله: «العلم ليس لهُ عمر يا ابنتي، مهما بلغ ابن آدم من العلم فلن يصِل مُنتهاه».

ظلّت عبارة والدها تتردد على مسامعها، وطلبت الإذن من إدارة الدار لاستكمال دراستها، وكان لمديرة الدار حينها دور كبير في دعمها وتشجيعها مع مواصلة عملها، اجتهدت وحاولت رغم ضياع وثيقة المرحلة المتوسطة الأصلية إلا أنها سعَت سعيًا حثيثًا حتى قبلت بنظام «المنازل» انتساب، وباتت تدرس وتعمل للقمة عيش أبنائها، حتى أصبحت في ذات المرحلة مع ابنتها، وفي ذات المدرسة، تتنافسان سويًا، وكانت المفاجأة تفوّق هدى على ابنتها في الدراسة، وحصلت على شهادة تخرّجها من الثانوية بتميّز إثر كفاح.

أفضل طاهية

وأخيرًا تم تقييمها كـ «أفضل طاهية لعام 1440هـ» في الدار، وقالت: في مناسبة كانت قد نظمتها الدار، شرّفتنا صاحبة السمو الأميرة عبير بنت فيصل حرم أمير المنطقة الشرقية، وكانت قد أثنَت على ما تذوّقته من صنع يدي، وفي صدفة أخرى كُنتُ مُشاركة في معرض «مطايا الخير» التابع لجمعية البر بالمنطقة الشرقية مع ابنتي في ركن للمأكولات، وشرّفتني سموها وتذكّرت أنها التقت بي من قبل، وتوقفت لتتذوق مني ما أقوم بإعداده.

الترسيم والمنزل

تقول «أم عبدالله»: اليوم أستكمل السنة السابعة في دار الحضانة الاجتماعية كـ «طاهية»، وتلقّيت عروضًا كثيرة من فنادق ومطاعم، وأيضًا في مطبخ خاص بمستشفى حكومي بزيادة عن راتبي الشهري، ولكني رفضتها رغم المغريات؛ ابتغاء الأجر وتعلّقي الشديد بالدار والفتيات، وأتمنى أن تعود فرصة الدراسة عن بُعد بنظام الانتساب لأتمكّن من إكمال دراستي الجامعية.