محمد الحرز

تحت مصطلح ما يسميه «عقيدة الخلاص السياسية» يعيد المفكر والناقد الأدبي البلغاري تزفيتان تودوروف (1939-2017) قراءة تاريخ الديمقراطية الأوروبية انطلاقا من مسارين اثنين: الأول يختص بتاريخ الأفكار الذي يبحث عن جذور منشأ هذا المصطلح في التاريخ المسيحي، والأثر الذي تركه لاحقا على معظم المفكرين الذين شكلوا انعطافة مهمة في تطور حضارة المجتمعات الغربية. والثاني هو المسار الذي اتخذته الأحداث منذ عصر التنوير الأوروبي وما تلاه من ثورات وحروب وصراعات إلى حدود القرن الحادي والعشرين، حيث التقاء المسارين وربط أحدهما بالآخر نتجت عنه هذه العقيدة الخلاصية.

وهي تختلف بالتأكيد عن فكرة المهدوية التي انحدرت من تراث عريق يتصل بالزرداشتية. وقد تتقاطع هذه مع تلك العقيدة في فترات تاريخية معينة، وقد تبتعد في فترات تاريخية أخرى. لكننا لسنا هنا في صدد الحديث عنها الآن.

أواخر القرن الرابع الميلادي وأوائل القرن الخامس فيه عاش كل من البابا بيلاجيوس والأسقف أوغسطين، لم يلتقيا أو يتقابلا لا في روما ولا خارجها. لكن أفكارهما كانت مدار صراع طويل بين أنصارهما كان يخفت زمنا ويشتعل زمنا آخر.

وابتداء من عصر النهضة ظهرت الغلبة لأفكار بيلاجيوس عند المفكرين الإنسانيين: ميراندول، إيراسموس ومونتاني ثم جاء عصر التنوير الذي اقترب بدوره من أفكاره، وبالخصوص ما يتعلق منها بحرية الإرادة عند الإنسان، على الرغم من اختلاف مفكري عصر التنوير في الموقف من أفكار بيلاجيوس والتباين فيما بينهم، إلا أن ارتباط الإرادة بالعقل هو يفضي بالنهاية إلى التقدم وبالتالي حصول الإنسان على جنته الموعودة على الأرض بدلا من السماء.

وعلى هذا الأساس دخلت هذه الأفكار وتسللت إلى الثورة الفرنسية، فبعدما كانت تخص حياة الفرد كما جاءت عند بيلاجيوس عممت على يد مفكري التنوير على المجتمع الفرنسي وتبناها الثوار والجيش الذي أخذ على عاتقه تصديرها إلى خارج الحدود.

ومن يراجع تاريخ تسعينات القرن الثامن عشر أي بعد الثورة بقليل يطلع على تقارير تتكلم عن أحداث ومجازر وحالات قمع ارتكبت بوحشية، «فالثورة في خطر والمصلحة العليا قد لا تتحقق، لذا يجب ألا نشعر بالأسف على مصير الأعداء».

ثم جاء نابليون وتبنى العقيدة نفسها، وفرض على أوروبا طوال ثلاث وعشرين سنة من الحروب المتواصلة (1792-1815) كانت نتائجها ملايين من الضحايا.

وإذا كانت هذه الثورة أكثر التصاقا بأفكار بيلاجيوس، فإن المشروع الشيوعي الماركسي الذي جاء بالثورة البلشفية فإن الأفكار المنحدرة إليها من هيجل عبر ماركس خصوصا ما يتعلق منها بفكرة قانون الحتمية التاريخية ومسيرة الخلاص الإنساني بتأثير من العلم والثورة الصناعية هي التي رسخت الطابع الشمولي للثورة.

والأمر نفسه ينطبق على الحركة النازية التي لم تأخذ طابعها الشمولي الخلاصي إلا بعدما اقترنت أفكارها بصورة حتمية بقوانين علم الأحياء في صيغتها الداروينية الاجتماعية.

سؤالي في نهاية المقال: هل التاريخ يكرر نفسه مع فكرة تصدير الثورة مع ملالي إيران؟ الثورة عند هؤلاء قامت على فكرة خرافية تجاوزت من العمر آلاف السنين.