د. فالح العجمي

قضايا التعليم من الموضوعات الحاضرة في النقد الاجتماعي، وفي محاولات المجتمعات المراجعة وتمحيص الخطط المتعلقة بأهم معاقل تكوين بناة الأوطان. ولكن حضور تلك القضايا يفترض أن يكون أكثر إلحاحاً بعد التسريبات المتعلقة بالمركز المتأخر جداً (المركز 65 من 77 دولة شاركت في المسابقة)، الذي احتلته السعودية في اختبارات جودة التعليم العام (بيزا)، الذي شارك فيه 320 ألف تلميذ وتلميذة من السعودية. وكانت نسبة كبيرة من المشاركين السعوديين بلغت 67% لم يصلوا للحد الأدنى في الرياضيات، والأمر نفسه تقريباً في اختبارات العلوم، كما أن 50% منهم لم يملكوا مهارات القراءة الكافية.

وفي مثل هذه الأحوال لا أظن التحديث الذي تم من قبل وزارات التعليم المتعاقبة لدينا، يغني عن التغيير الكلي في طرق التعليم وأدواته وأولوياته؛ فتلك الأجهزة الضخمة يظن أصحابها أن تغيير بعض الكتب وزيادة عدد بعض الموضوعات واستخدام بعض المصطلحات التربوية كفيل بأن يطوّر العملية التعليمية، ويبني أذهان التلاميذ ليتصدوا للحياة الحديثة في القرن الحادي والعشرين. وقد عجزت من كثرة ما أطرح في مؤتمرات وندوات ونقاشات داخل وخارج أسوار التعليم، وكتابات صحفية ومراسلات مع مسؤولين كبار في التعليم في دورات وزارية متعاقبة، دون أن أجد استجابة لتلك الصرخات، التي يبتلعها التربويون بمصطلحاتهم المحذلقة. لكن عسى أن تكون هذه الصدمة الآتية من خارج البلاد، وبشهادات أجنبية، دافعاً لأخذ الأمر بجدية، خاصة فيما يخص القراءة والكتابة (المهارات الأولية للعلوم وللحياة)، والتي كان يظن حراس التعليم التقليدي أنهم بإبقائهم على الكم الكبير من المقررات يُكسِبون التلاميذ صلابة في تلك المهارات.

وإذا حدث وفكرت الجهات المعنية باستراتيجيات التعليم العام بتطوير جذري ومهني في الوقت نفسه؛ فإني أتمنى أن يتاح مع هذا التطوير في مؤسسات التعليم العام المجال لإدراج اكتساب معارف في نواحي الحياة الحديثة التي أصبحت ضرورية جداً، وما زالت مدارسنا لا تعترف بها، وكأن الأمر لا يعنيها، أو أنهم لا يفهمون من التطوير إلا أن تزاول التقليب فيما استقر العمل عليه منذ عشرات السنين، وعرفته الأجيال المتوالية بوصفه مواد التعليم المتعارف عليها. ومن تلك المناحي المعرفية جوانب التربية البيئية التي عرفتها الأمم المتقدمة منذ أواخر القرن التاسع عشر، فقد اهتم العالم البيولوجي الألماني إرنست هيكل بهذه القضايا تحت حقل علمي تحول إلى علم الإيكولوجيا، وبالطبع تزداد أهميتها حالياً مع الازدياد السكاني الهائل على الأرض، وزيادة كمية الملوثات عليها، وضرورة الاهتمام الفردي والجمعي بالبيئة الصغرى في المنزل والمدرسة والحي، والكبرى في المدينة والبلد والأرض.

وقد تطور هذا العلم بعد منتصف القرن العشرين، ليهتم بالدراسة العلمية للتفاعلات الحاصلة بين الكائنات ووسطها، وهو الميدان الذي تُبنى ضمنه العلاقات بين أفراد النوع نفسه، وآخر من أنواع مختلفة. كما أن الوسط نفسه يتعلق بمكونات أساسية، مثل المناخ والأرض والرطوبة والضوء. أما البيئة فهي مجموع الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تملك القدرة على الفعل المباشر أو غير المباشر؛ أي أن الأمر يتعلق هنا بعوامل مناخية وكيميائية وإيكولوجية خارج تدخّل الإنسان ومختلف العناصر. وهنا سيتمكن التلاميذ من إيجاد الترابط بين الطبيعة والكائنات الحية الأخرى والإنسان، في نسق متكامل وسهل وجذاب.