د. يعن الله الغامدي

لست من عشاق القهوة ولا من هواة الشاي وهذه طبيعتي، وإن كنت لا ألوم بعض الزملاء وهم يستغربون كيف أكتب وأنا لا استمتع بأحد تلك المشروبات ولا ببعض طبقاتها الساخنة أو الباردة الداكنة أو الفاتحة العربية منها أو التركية حلوة كانت أو مرة.

وأنا أعلم أن لكل كاتب طقوسا كما هي لكل شاعر يمارسها كلما مرت سحائب الفكر التي يستمطرها حسب الذكاء والطريقة شعرا كانت أو نثرا، والقهوة في منظوره شكل من أشكال الأمان.

وهي إن كانت ظاهرة ترفيهية فهي عند البعض ممارسة ثقافية، وأهل البادية يرونها للسن وليست للبطن وتشير عندهم إلى المكانة الاجتماعية، وكانت قبل عقود ترتبط بجماعة النخبة عند المصريين والعثمانيين، إذ كانت حكرا على بيوت البشوات تجاوزت ذلك إلى ارتباطها بالتدخين ثم تدشينها بالاستماع معها إلى الموسيقى والغناء حتى وصل بها الحال عند جماعة الصفوة والميسورين منهم بأن يكون الإبريق مثلا مصنوعا من الذهب والفناجين مرصعة بالأحجار الكريمة أو ببعض فصوص الألماس.

ومن المعروف أن أول ظهور للقهوة كان بالحبشة إلا أن شهرتها كانت من اليمن التي أخذت منها تشق طريقها إلى مصر والشام ومناطق النفوذ العثماني.

والقهوة في المملكة العربية السعودية أصل من أصول الضيافة وأول مراسم الاستقبال ولها أصول، فـ «الدّلة» تكون باليسار ويبدأ الصب من اليمين، إلا إذا وجد ضيف أو شيخ.. ولا تتعدى كميتها قعر الفنجان الأول منها في أعرافهم للضيف والثاني للكيف والثالث للسيف، ومن المؤكد أن شيوخ القبائل يختارون الأخرس لصبها حتى لا يفهم حديثهم وهز الفنجان له يعني الاكتفاء.

وتشير الإحصاءات إلى أن القهوة حاليا من أكثر السلع تداولا بعد القمح وأن أكثر الشعوب استهلاكا لها هم الفلنديون في حين تتصدر لبنان قائمة الدول العربية في استهلاكها.

هذه هي القهوة أو الأنثى السمراء والتي يستمتع بها الملايين على الرغم من طعمها المر غالبا ولونها الأسود أحيانا، من يعشقها يرى أن قليلا منها لا يروي وأن كثيرا منها لا يشبع والفرار منها صعب طالما يرى في مرارتها لذة وفي سوادها عشق !.

والذي يظهر من ذلك أن القهوة مرت بمراحل وقد كانت مشروبا نخبويا أول الأمر عند الوجهاء وعلية القوم حسب أنواعها وأدواتها إلى أن أصبحت الآن مشروبا متاحا لجميع الطبقات وقد غدت اليوم سيدة الصباح وعميدة المساء لكل من يُقبل فِنجانها.