د. نورة عبدالله الهديب

استطاع الإنسان مُنذ القدم أن يُسخر الأدوات المحيطة لصالحه ليصنع له منظومة حياة متكاملة. فالأمان والمأكل والمشرب واستمراريته في هذه الحياة قد دفعته للتقدم والتطور بناء على حاجته للبقاء. فقدرة العقل على التفكير المستمرة تتطور مع الوقت بسبب تلك الأدوات والأفكار المتوفرة والتي ساعدت الإنسان على الصنع والابتكار. ما دفعني لكتابة هذا المقال، هو تلك التأملات في هذه الحياة وكيفية وصول الإنسان إلى هذه المرحلة من التطور!!

فطريقة التفكير في العقل البشري لها أدوات ثابتة ولكنها تختلف باختلاف قدرة الإنسان في كيفية استخدامه لها. فالعلماء والمخترعون والفلاسفة وغيرهم من العقول التي أحدثت نقلات نوعية في حياة البشر قد استطاعوا استخدام عقولهم وأدواتها بطريقة صحيحة ساعدتنا للوصول إلى ما نحن عليه الآن وذلك بعد توفيق من الله.

عندما أتأمل علومنا في هذا اليوم، أَجِد أن عقل الإنسان استطاع أن يصل إلى مرحلة اللاتفكير بمعنى أنه ومن شدة قوته قد استخدم العلوم التقنية لتقوم بوظائف العقل الأساسية. فالقدرة الإنتاجية في العقل البشري تزداد يوما بعد يوم ولكن ما يقلقني هو: إلى أين أيها العقل؟

في زحمة العلوم التقنية والعلوم المستحدثة يجب على العقل أن يفكر قليلا في خط مساره العلمي والعملي. من وجهة نظري ومع توفر العلوم وخدمتها السريعة لنا، إلا أنني أرى أننا بدأنا بتسليم عقولنا إلى العالم التقني ظنا منا أننا نواكب التطور بشكل سليم. ولكن ومع الوقت قد بدأت تخرج لنا سلبيات العلوم التقنية ومدى تأثيرها على قوة العقل. لذلك دائما أفكر في عقول أطفال المستقبل وكيف لهذا العالم التقني الذي خلقناه ألا يتسبب في تعطيل قدرات عقول أطفالنا. فشغف العقل البشري للمعرفة والعلوم قد يصنع فجوة علمية بسبب اعتماد العقل على البيانات التي جمدت بعض وظائف العقل للقيام بعملها. أتمنى من منظومة التعليم التركيز على تسخير قوة عقول أطفالنا في كيفية توظيفها لصناعة بيانات مستحدثة ليتعلم من خلالها كيفية الاستفادة منها والرجوع إليها في المستقبل البعيد.

فوطننا يحتاج إلى تلك الكنوز القيمة والثمينة في عقول الأطفال مستقبلا، وعلى التعليم أن يستوعب مقدار العبء الذي يجب أن يقدمه للوطن عن طريق استخراج تلك الكنوز من أطفالنا. ومن وجهة نظري، ما زلت أرى أن محتويات المناهج في التعليم العام ينقصها التطبيق العملي الذي ستحتاج له بلادنا مستقبلا.

أتمنى من منظومة التعليم أن تجتهد أكثر لمستقبل وطننا وتطلعات رؤيته وكذلك أطفالنا وكنوزهم المعرفية والعلمية المدفونة، وذلك عن طريق عمل دراسات عميقة وجذرية لاحتياجات الطفل والمجتمع مستقبلا ومحاولة تركيبها مع العلوم والمعارف العالمية لإنتاج جذور منهجية قائمة على بناء مستقبل ذو قوة مستدامة بإذن الله.

@fofkedl