سكينة المشيخص

العناية بحقوق الطفل ورعايته من الأمور الأساسية في حياتنا ولا ينبغي المزايدة عليها أو تأخير وتعطيل التنظيمات والتشريعات الضامنة لهذه الحقوق، ويبدو أن ذلك يحدث في جميع المجتمعات العربية، ما يعني تشويها للطفولة وإقصاء لحقها في أن تحيا بصورة طبيعية لتصبح أكثر فائدة لنفسها ومجتمعاتها وأوطانها في المستقبل.

في أغلب المجتمعات العربية يتعرض الأطفال لعنف متفاوت بين الجسدي واللفظي، بل إن بعضهم يعهد إليه أعمال ومهام أكبر من أعمارهم، ويدخلون الحياة العملية مبكرا قبل أن ينضج عودهم ويرتفع مستوى إدراكهم، ما يعني حرمانهم تلقائيا من كثير من مقومات نموهم السليمة ومعرفتهم للحياة بصورة صحيحة.

في بعض الدول العربية قد يعمل الطفل ويكد ويجهد وهو لم يبلغ سن الرشد ليشارك عائلته في الكسب وتوفير لقمة العيش، وذلك قد يقود للخروج من المنظومة التعليمية والحرمان من الدراسة وتطوير نفسه بصورة أفضل، وفي مجتمعات أخرى قد يتسلمون السلاح ليصبحوا مقاتلين في حروب لا تنتهي، فيألف صوت الرصاص ويقترب من الموت وهو لم يبدأ حياته بعد، فتنشأ شخصية عنيفة وعدائية وقاسية وقد تستمر على هذه الأجواء والطقوس غير الصحية.

كثير من المآسي والأعمال السلبية التي يتعرض لها أطفال العرب بصورة تجعلهم خارج الزمن، لذلك من المهم على الجمعيات والمنظمات المدنية أن تستمر في البحث والدراسة والعمل الجاد من أجل إنقاذ الطفولة من هذه الويلات والمصائر القاتمة، وفي هذا السياق بادرت الجامعة العربية إلى تأكيد التزامها الكامل تجاه قضايا الطفل العربي وترسيخ حقوقه وحمايته من أشكال العنف كافة في وقت السلم وفي أثناء النزاعات.

وبمناسبة مرور 30 عاما على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، ذكرت في بيان لها أنها تعمل من خلال المجالس الوزارية العربية المتخصصة والقمم العربية على وضع قضايا مناصرة حقوق الطفل وحمايته ضمن أهم أولياتها لمواصلة الجهود لوضع الخطط والبرامج والإستراتيجيات للارتقاء بأوضاع الطفل العربي في إطار مقاربات حقوقية تراعي مصلحة الطفل من النواحي كافة.

ذلك كله جيد ويبدو عملا متقدما ولكن لا بد أن يتبعه العمل وتوجيه المنظمات والوزارات المعنية بالشؤون الاجتماعية لأداء أدوار أكثر، تتحرك فيها بما يتناسب مع الواقع المرير للطفولة العربية التي تعاني نتائج وتداعيات الممارسات السياسية الخاطئة والتراجعات الاقتصادية التي دفعت بالملايين إلى العمل أو الدخول في الصراعات.

ذلك عمل متكامل للدول العربية ينبغي أن يسير في مسار منتظم يتابع انهيار الطفولة وحرمانها من أبسط حقوقها، دون أن نغفل ما يتعرض له كثير من الأطفال من ضغوط في منازلهم وسوء تربية وقسوة وتعنيف يتطلب معالجات علمية مستمرة لأن المحصلة الحالية لواقع الطفل العربي في غاية السوء، ولا أحد يهتم أو يعي ويعرف مثل الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وأهمية تربيته في بيئات سليمة وصحيحة تجعله فردا اجتماعيا يشكل قيمة لمجتمعه ووطنه.

دون معالجات حقيقية ودراسات مستمرة فإن انهيار الطفولة في مجتمعاتنا العربية وشيك أو في مرحلة الخطر، خاصة أن برامج ومبادرات التوعية لا تحقق الكثير الذي يعدل ميزان الطفولة ويمنحها حقوقها الأساسية، فهناك الكثير من المناظر والمشاهد التي تظهر في المواقع الاجتماعية لقضايا تعنيف مرعبة لا تؤثر فقط في نفسية الضحايا، وإنما حتى من يرونها في هذا العالم الصغير بفعل التقنية والوسائط الاجتماعية المتاحة للجميع دون تمييز، لذلك من المهم أن نرى أدوارا أكثر فاعلية وإيجابية في الوعي والتوعية والعقاب الصارم والرادع للمعنفين أو الذين يدفعون أطفالهم إلى الهاوية الإنسانية.

@sukinameshekhis