محمد الغامدي - الدمام

2573 قضية خلال عامين

التستر التجاري شبح اقتصادي هدد أسواق المملكة لفترة طويلة، فيما تعمل وزارة التجارة والاستثمار على استئصاله من جذوره بتشديد العقوبات على المتستر والمتستر عليه بالتشهير في وسائل الإعلام وفرض غرامات تتراوح ما بين 100 ألف إلى مليون ريال، إضافة إلى السجن لمدة تصل إلى عامين، فضلًا عن إغلاق المنشأة وشطب سجلها نهائيًا، إلى جانب إبعاد الوافد المتستر عليه من البلاد نهائيًا، في الوقت نفسه طالب مختصون وقانونيون بتغليظ العقوبات على المتستر والمتستر عليه وإطلاق حملات توعية للمواطنين للتعريف بمخاطر وأضرار تلك الجريمة على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ويتحصل الوافد في «ظاهرة التستر التجاري» على أرباح طائلة تقدر بنحو 30 ألف ريال شهريًا، فيما يعطي المواطن مبلغا زهيدا لا يتجاوز الـ3000 ريال بعد أن يسلمه المحل في أنشطة متنوعة، بينما تخرج مبالغ هائلة سنويًا من بوابة التستر لدول الوافدين المقيمين في المملكة، دون الاستفادة منها.

وقال المتحدث الرسمي في وزارة التجارة والاستثمار، عبدالرحمن الحسين: إن عدد قضايا التستر التجاري التي أحيلت إلى النيابة العامة خلال العامين الماضيين بلغ 2573 قضية، فيما أحيلت نحو 1195 قضية للنيابة العامة خلال العام 1439، في حين ارتفع عدد القضايا المحالة للنيابة العامة بنسبة 15% خلال العام 1440، لتصل إلى 1378 قضية.

» ضوابط جديدة للتستر

وأضاف الحسين أن الوزارة اتخذت العديد من الخطوات الجديدة لمكافحة التستر التجاري، فضلًا عن عدد من المبادرات الخاصة، ومن أبرزها إصدار نظام الامتياز التجاري، وإيجاد حلول تمويلية من الجهات الحكومية والخاصة، واعتماد لائحة الاشتراطات البلدية الخاصة بالبقالات والأسواق المركزية، وإلزام المنشآت التجارية بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني، والمساهمة في تخفيض رسوم أجهزة نقاط البيع على متاجر التجزئة الصغيرة، والمساهمة في تمكين المقبلين على تجارة التجزئة من خلال برامج تدريبية، إضافة إلى طرح مشروع نظام مكافحة التستر المحدث لاستطلاع آراء المهتمين والعموم، ويتضمن مشروع النظام عقوبات مغلظة على المخالفين.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، بدأ في إلزام ورش الصيانة والأنشطة ذات العلاقة بقطاع السيارات، مثل «الميزان، البنشر، قطع الغيار، ميكانيكا السيارات» باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني المعتمدة من مؤسسة النقد العربي السعودي ابتداء من 15 نوفمبر الحالي.

ويأتي ذلك تطبيقًا للمرحلة الثانية من إلزام المتاجر ومنافذ البيع في جميع مناطق المملكة بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني بهدف تمكين المستهلك من استخدام تلك الوسائل في جميع المنافذ والتقليل من تداول النقد، وكانت المرحلة الأولى قد استهدفت محطات الوقود وملحقاتها.

» متابعة الدفع الإلكتروني

وأكد الحسين أن البرنامج يبدأ في متابعة التطبيق بالتنسيق والتعاون مع وزارة التجارة والاستثمار ووزارة الشؤون البلدية والقروية ومؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» ومراقبة التزام جميع منشآت قطاع السيارات بتوفير الخدمة، على أن يتم الانتهاء من اكتمال التطبيق بشكل كامل على كافة الأنشطة التجارية بتاريخ 25 أغسطس من العام المقبل.

وأوضح الحسين أن وزارة التجارة والاستثمار ستؤدي دورها في مراقبة وتوفير واستخدام وسائل الدفع الإلكتروني في منافذ البيع، وتلقي ومباشرة بلاغات المستهلكين في حال عدم توافر الخدمة أو الامتناع عنها، وتطبيق أقصى العقوبات النظامية على المنشآت غير الملتزمة.

ويأتي ذلك تطبيقا للتوصيات المقرة بالأمر السامي الكريم والمتعلقة بمكافحة التستر التجاري وتوحيد الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية ذات العلاقة وتشكيل البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، والذي من أبرز أهدافه تنظيم التعاملات المالية للحد من خروج الأموال بطرق غير شرعية معتمدة على التستر التجاري.

وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالعزيز العويشق: إنه بالرغم من تجريم التستر التجاري منذ عقود، والعقوبات التي فرضها نظام مكافحة التستر التجاري، الصادر عام 1425، فإن المشكلة ما زالت قائمة، مشيدًا بدور وزارة التجارة والاستثمار في محاسبة المتورطين في هذه المخالفات بالسجن والغرامة والتشهير بهم، وإبعاد الشخص الأجنبي عن البلاد ومنعه من العودة إلى المملكة، ولكن تلك الإجراءات لم تقضِ على هذه الظاهرة.

وأضاف العويشق أن إعلانات التشهير التي تنشرها وزارة التجارة بأنها «جريمة»، لا تكفي بل يجب أن توجد توعية اجتماعية بمدى خطورة ظاهرة التستر التجاري وأضرارها على الاقتصاد الوطني، فضلًا عن الأضرار الاجتماعية والأمنية في استمرار النشاط المخالف للقانون.

» منافسة غير مشروعة

وأوضح العويشق أنه من الناحية الاقتصادية، يجب أن يكون الاستثمار الأجنبي عبر الإجراءات القانونية التي تشرف عليها الهيئة العامة للاستثمار، مع مراعاة الضوابط التي تمنحها قبل الترخيص، مشيرًا إلى أن التستر التجاري يخلق تشوهًا في البيئة الاستثمارية بإيجاد ثغرة يتم من خلالها التحايل على تلك الضوابط، ويشكل بذلك منافسة غير مشروعة للمستثمر الأجنبي الذي يلتزم بالقوانين، إضافة إلى أنه يشكل منافسة غير مشروعة للمواطنين الذين يرغبون في دخول سوق الاستثمار والتجارة.

وأشار العويشق إلى أنه من الناحية الاجتماعية: فإن التستر يعني تأجير اسم المواطن وهويته، وعدم السعي إلى عمل اقتصادي حقيقي واكتساب الخبرات الضرورية لممارسة النشاط الاقتصادي، وبالتالي يظل المواطن دون مهارات تجارية أو استثمارية، لافتًا إلى أنه من الناحية الأمنية: فإن التستر يعني انتهاك الإجراءات القانونية بشكل واضح ومستمر، مما يرسخ عدم الاحترام للقانون ويطبّع مخالفته، ومن ناحية أخرى فإن التستر يسهل للأجنبي من خلال الرخصة التي استولى عليها ممارسة أنشطة غير مشروعة وغسل الأموال التي قد يكسبها من تلك الأنشطة، أو تمويل الإرهاب والتطرف.

ولفت إلى أنه لمواجهة استمرار هذه الظاهرة: فقد يكون من الملائم أولا تشديد العقوبات لأنه من الواضح أن العقوبات الحالية لا تكفي أيضا. وثانيا، قد يكون من المناسب تكثيف المراقبة الأمنية للتأكد من هوية صاحب المنشأة، لأن التستر جريمة مبنية على التزوير والاحتيال، وينبغي محاربتها باعتبارها خطرا أمنيا. وثالثا، قد يكون من المناسب إعادة النظر في ضوابط الاستثمار الأجنبي، لوضع آليات تساعد على القضاء على الظاهرة ورابعا: إيجاد آليات إيجابية لتسهيل دخول الشباب والشابات السعوديين إلى عالم الاستثمار، بتدريبهم على إدارة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من جميع النواحي وليس فقط في توفير التمويل.

» عقوبات صارمة

من جهته قال المحامي القانوني خالد أبو راشد: إن النظام في جريمة التستر التجاري واضح وصريح، فيما أن العقوبات مغلظة على الطرفين، سواء المتستر أو المتستر عليه، مشيرًا إلى أن العقوبات التي طرحتها الوزارة صارمة للقضاء على تلك الظاهرة من جذورها.

وأضاف أبو راشد أن العقوبات على التستر التجاري متنوعة، وهي السجن والغرامة وشطب السجل والترخيص وتصفية الأعمال والإبعاد بشكل نهائي وعدم العودة للمملكة، إضافة إلى حرمان المواطن من ممارسة نفس النشاط لمدة تصل إلى 5 سنوات.

وأشار أبو راشد إلى أن نظام وزارة التجارة والاستثمار يتميز بالعقوبات المؤثرة، لا سيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمخالفة النظام، وإنما تتعلق باقتصاد الوطن، لافتًا إلى أن العقوبات لا تقضي على المشكلة ولكن تحد منها.

ودعا أبو راشد إلى تعزيز وعي المواطن بالتستر التجاري، وتكثيف الحملات التوعوية لوزارة التجارة والاستثمار، بالعقوبات التي طرحتها لمكافحة تلك الجريمة.

إلزام ورش الصيانة وأنشطة السيارات بالدفع الإلكتروني

حملات توعية المستهلكين تحافظ على الاقتصاد الوطني

السجن والغرامة وشطب السجل أبرز العقوبات

15 % زيادة في عدد القضايا المحالة للنيابة خلال عام