د. إبراهيم العثيمين

عبده البواب من أقواله غير المأثورة «مس قلبي ولا تمس رغيفي»، وينسب إلى المسيح عليه السلام أنه قال «حيث مالك قلبك». فالهيمنة الإيرانية أو النفوذ الإيراني الساحق في العراق هو من المسلمات التي لا تقبل الشك أو النقاش. لكن الجديد هو الوعي الشعبي بأن هذا التدخل الإيراني في بلدهم وصل إلى العظم الشعبي وأثر بشكل مباشر على حياتهم المعيشية، بل هو أحد أسباب هذا البؤس العراقي والفقر والبطالة، والتي جعلت المتظاهرين يربطون بين الفساد والفقر والبطالة وهذا النفوذ الإيراني وضرورة إنهاء هذا النفوذ للوصول إلى حياة كريمة. ولعلي في عجالة الخص أهم هذه التأثيرات بما يسمح به هذا المقال.

الأمر الأول: السيطرة على مفاصل الدولة العراقية، من خلال التحكم بتركيبة الحكومة في بغداد التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعية، فقد اعتمدت إيران في بسط نفوذها في العراق بصفة أساسية على وكلاء عراقيين، وكيانات سياسية وعسكرية محلية موالية لها، ينتشرون في أجهزة الحكومة ومؤسساتها، وتحديدا في أوساط الوزراء والسفراء والمديرين والقضاة والنواب والمحافظين وقادة الأمن والجيش. ومن خلال مواقعهم يسيطرون على مفاصل الدولة العراقية، ممثلة في أجهزة الاستخبارات، وأجهزة متابعة الفساد، وأجزاء مهمة من البنك المركزي، وعملية تصدير الغاز والنفط، وأجزاء كبيرة من القضاء.

الأمر الثاني: الاستحواذ على قطاع الطاقة، فقد نجحت إيران في السيطرة على قطاع الطاقة وتوظيفه لخدمة مصالحها من خلال وكلائها المنتشرين في مراكز اتخاذ القرار في العراق. ويمكن القول إن إيران تتبنى مسارين في استهدافها لقطاع الطاقة في العراق الأول: النهب العلني للنفط بواسطة معداتها وخبرائها من الحقول العراقية - الإيرانية المشتركة ومن الحقول العراقية الخالصة الواقعة على الحدود. فبحسب تقارير وشهادات عراقية فإن إيران سرقت ما لا يقل عن 150 مليار دولار من نفط العراق على مدى العشر السنوات الماضية. ولا يزال استنزاف إيران للنفط العراقي مستمرا إلى الآن، فبحسب تقرير للجنة النزاهة في البرلمان العراقي فإن «إيران لا تزال تستنزف حقولا نفطية عدة حدودية بين البلدين، منها: بيدر غرب، وأبا، والنور، والفكة، ومجنون، وأبو غرب، وبزركان». والمسار الثاني هو عرقلة الغاز العراقي، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن العراق يمتلك احتياطات غاز مؤكدة تصل إلى 112 تريليون قدم مكعبة من الغاز، لكن محللين يقولون إنها يمكن أن تتضاعف في حال إجراء مسح شامل للأراضي العراقية. ويحتل العراق المرتبة الـ 11 بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي، ومع ذلك تعمل إيران على عرقلة كل الخطط العراقية للاكتفاء من الغاز الطبيعي؛ حتى يظل العراق معتمدا في سد احتياجاته من الغاز على إيران، وبذلك تضمن استمرار توريد الغاز إليه، وفي الوقت ذاته تستولي على أكثر من نصف عائداته من بيع النفط ثمنا لصادراتها إليه من الغاز. فوفقا للبيانات الحكومية الرسمية فإن مبيعات النفط العراقي في العام الحالي تدر نحو 7 مليارات دولار شهريا، يذهب أكثر من نصفها لاستيراد الغاز الإيراني.

وبالتالي فهذا الاستغلال الإيراني لقطاع الطاقة انعكس بشكل سلبي على التنمية في العراق. فالموازنة العراقية لعام 2019 بلغت 112 مليار دولار، والنفط يمثل 90% من هذه الموازنة والذي يعادل 84 مليار دولار من إجمالي 89 مليار دولار بعد خصم نسبة العجز الذي يقدر سنويا بنحو 23 مليار دولار، وتستحوذ إيران على 42 مليار دولار ثمنا للغاز في حين يتقاضى نحو 8 ملايين موظف عراقي في الجهاز الحكومي للدولة مرتبات سنوية تقدر بـ52 مليار دولار من الموازنة، فلا يتبقى من الموازنة بعد خصم هذين البندين سوى 5 مليارات دولار، هي المبلغ المتاح للحكومة العراقية للإنفاق على بقية القطاعات في الدولة، وهو ما يكشف الآثار التدميرية لاستنزاف إيران للطاقة في العراق، وانعكاسات ذلك على التنمية، ويفسر في الوقت نفسه ربط المتظاهرين بين مطالبهم بتحسين أوضاعهم المعيشية وإيران، باعتبارها العامل الرئيسي في تدهور أوضاع البلاد.