فهد السلمان



أنا أحب لبنان. لكن ليس بكل صفاته وصفحاته، أحب لبنان فيروز ونصري ووديع والرحابنة، لبنان جبران وأنطوان سعادة وغسان تويني، لبنان سعيد عقل وإلياس أبوشبكة، أحب لبنان الذي كان، وليس لبنان الكائن المشوه، الذي سرقت منه الطائفية، والولاءات العابرة للحدود ثقافته، وسيميائيته، وحضاريته، وحتى خفة ظله، أحب لبنان الشعب النابه الذي يحب الحياة، ويمارسها صخبا بالطول والعرض، ويدرك أن ثمة ما يستحق أن يعاش، عندما كان هو من يختار ربطات عنقه، وألوان تنانيره، قبل أن يستورد له بعض أبنائه خياطا فارسيا شوه أناقته بالعمامة والشادور، واختار له مقاسه مثلما يريد، أحب لبنان عندما كانت صحفه تكتب افتتاحياتها للوطن العربي من الخليج إلى المحيط بنفس عروبي وروح عربية، وقبل أن يبيع بعض إعلامه هويته في بازارات الآخرين فتبتلعه الأجندات، ولأني أحبه هكذا وأكثر كما كثيرين غيري ممن تعرفوا عليه في وقت باكر، كان هو فيه رحم الكلمة الحرة، ومنبع الحضارة، ولسان العروبة، وأحد مرابط الفن الجميل، ومنجم الإيتيكيت، ومصنع المذاق، وقارورة العطر. أقول: لأني أحبه هكذا، لذلك فإني أخشى عليه من ثورته كما أخشى عليه من سكينته، أخشى على لبنان من لبنان، وعلى لبنان من بعض اللبنانيين الذين استثمروا فتح نوافذه المشرعة لدخول شموس الثقافات دون جمارك ولا وصايات، ليدخلوا إليه الغرباء بسكاكينهم.

لكن لماذا أخشى على لبنان من ثورته؟، ولسان حالها يقول «كلن يعني كلن» في سابقة هي الأولى من نوعها لرفض الطائفية والمحاصصة؟، لأن بذور الطائفية في تقديري قد استشرت وتمددت، وبالتالي فكل فريق يريد أن يجتث كافة الساسة عدا رموز طائفته، هذه هي الحقيقة التي بدأت ملامحها في الظهور مع استعمال شعار «كلن» كعيار صوتي فقط، لكن حين تصل الأمور إلى منتهاها، فسيعود كل فريق للالتفاف حول رموزه، لأن ديموقراطية «ميشال شيحا»، والتي وصفت «بالديمقراطية التوافقية» لا يمكن أن تنجز نظاما إلا بهذه الصورة المتشظية، ولأن فريقا مسلحا من اللبنانيين استثمر هذا الواقع وأسس عليه بنيانه، ليصبح هو الوصي على الجميع، لذلك حين تصطدم الإرادات فلابد وأن تعود كل فئة إلى رموزها كآخر الملاذات، حتى وإن كانت تشعر أنهم هم من أثروا على حسابها، وغمسوا لقمتها في التراب، هذه هي مخرجات الديموقراطية التوافقية، ديموقراطية المحاصصة، والتي بدأت للأسف تنتشر في المنطقة كالنار في الهشيم دون أن يتم استيعاب آثارها المدمرة في تجربة لبنان. أدعو الله من كل قلبي أن يحمي لبنان من بعض أبنائه، وأن يعيده لأمته في منزلة الضمير، عوضا أن يكون مجرد غرفة عمليات كبرى تطبخ فيه السيناريوهات المسمومة.