د. نورة عبدالله الهديب



خصّصتُ هذا المقال لأنقل لكم قصة معاناة إحدى الصديقات التي عاشتها خلال الفترة السابقة، والتي اشتدت عليها خلال الأيام الأخيرة.. لم أكن أعلم أن قوة الشر تتوارث في الإنسان على شكل أطباع وأنماط مختلفة.. وتتجاذب فيما بينها؛ لذلك نجد العصابات والأحزاب التي تنشر الفساد باسم الخير لتضليل الآخرين.. فقوة الشر عند البعض تظهر بوجهٍ ملائكيّ؛ ليصل أصحابها إلى أهدافهم الفاسدة التي تُفسِد المحيط بطرقٍ مختلفة.

تروي صديقتي معاناتها بأنها كانت تشعر بغرَقٍ في بحرٍ من الحزن، فنقطة ضعف الأم هي أطفالها، خاصة إذا كانت تعلم جيدًا أن هناك مَن يتربص بها وبأطفالها.

كنتُ قد كتبتُ عن تربية المراهقين، وأهمية تقوية علاقة الصداقة بين الآباء وأبنائهم.. وتربية المراهق فيها من العثرات التي تؤدّب أطرافها، فالعثرة تسبب الألم، ومن الألم نتعلّم دائمًا.. هنا القصة، حدث جدال بينها وبين ابنها البالغ من العمر ١٢ سنة؛ بسبب عدم رغبته في المذاكرة، وتهاونه في الاستعداد للاختبارات الفصلية؛ مما دفعه للهروب إلى أبيه، وبما أن الحضانة من حق الأُم، فلم تكن تمنع الابن من أبيه أبدًا.. بل كانت تشجّع أبناءها على التواصل مع والدهم رغم الانفصال، بل تحثّهم على الزيارة حين يترددون لأسبابٍ كثيرة، قد يكون أحدها هو خجلهم من حياة أبيهم الجديدة المتمثّلة بوجود أكثر من زوجة، وأبناء مشتّتين.

وتضيف إنها لمدة أسبوعَين تشعر بأن كبدها قد انتفضت من شدة الحزن، حاولت التواصل مع ابنها، وتقول: ليتني لم أحاول.. ذلك الابن الذي كان يُقبّل أرجلها، ويبحث عن رضا والدته، ويردّد لها كلمة (أحبك).. كأنه قد ذهب مع الريح.. وتقول: كنتُ أكلّم طفلًا آخر يتحدث إليَّ بلهجةٍ ذكوريّةٍ.. وعنجهيةٍ ناقصة.

وهنا علمَتْ أن قوة الشر تمكّنت، ولكي تتأكد.. ذهبت بنفسها إلى مدرسته لطلب مقابلته في السيارة.. فرفض ذلك الطفل الصغير مقابلة أمه، والتي كان يهيم حبًا بها، وشوقًا إلى حضنها، ومع تعاون مَدرسته في شرح الموقف إلا أنه رفض، وطلب التواصل مع والده.

عادت صديقتي تقود السيارة دون شعور مصدومة؛ لتحاول أن تجد تحليلًا لما يحدث في عقلها، وتبريرًا من قلبها، هل هو عجز الخير أو سيطرة الشر في محيطنا.. وبعد ساعتين فوجئَتْ بموعد محكمة الأحوال الشخصية (دعوة حضانة) الأسبوع المقبل؛ لأن الابن أصبح يريد حضانة أبيه.

غرقَتْ وانكتَم نفَسُها؛ لتأتي معجزة الله لتنتشلها من عجزها وصمتِها.. كانت تبحث عن حكمة الله تعالى فيما حدث، فوجدَتْ أن الحِكَم كثيرة «بإذن الله»، فوقوف طفل يبلغ من العمر ١٢ سنة في المحكمة أمام أمه سيكون أكبر دليل على وقوعه في فخ عقوق الأُم.

وتختم صديقتي بأن تحريض الطفل جريمة، والتقدّم بها رسميًا جريمة أخرى؛ لذلك سجدَتْ لرب السماء متوكّلة، فأحسنَتْ الظن وتوكلَتْ عليه، وأيقنَتْ يقينًا مطلقًا بأن الله يريد لابنها ـ وهو في هذه السنّ ـ أن يُميّز بين الخير والشر؛ ليختار ما يكتبه الله تعالى له.