حوار - عماد عبدالراضي

رفض تصنيفه شاعرا عموديا أو حداثيا

كشف الشاعر إبراهيم عمر صعابي عن شعوره الدائم بالرهبة وهو يكتب القصائد الوطنية، مؤكدا أن الشعر لا يمكن أن يعبر عن شموخ الوطن، الذي تنحني أمامه القصائد لعجزها عن بلوغ رضاه.

وأبدى سعادته بطبع أعماله الكاملة في نادي جازان الأدبي، معتبرا أن ذلك تكريم كبير له، ورفض اعتبار نفسه شاعرا عموديا أو حداثيا، بل قال إن قصيدته هي التي تختار شكلها ولغتها، وأشار إلى أنه ما زال يبحث عن سر الإعجاب المتزايد بقصيدته «أستاذة النحو» رغم بساطتها ومباشرتها.

صدور الأعمال الكاملة للشاعر يعد تقديرا وتتويجا لجهوده واعترافا بأثره على حركة الشعر.. فماذا يعني لك صدور أعمالك عن نادي جازان الأدبي؟

- يعني لي الكثير، فعلاقتي بنادي جازان الأدبي بدأت منذ إنشائه عام 1395، وفضله عليّ كبير جدا، ومن خلاله اقتربت من رائدي الأدب في جازان: «العقيلي والسنوسي»، وأفدت من توجيهاتهما النيرة وسعدت بتشجيعهما واهتمامهما بموهبتي، وفتح المجال أمام قدراتي بالمشاركة في أنشطته المختلفة داخل المنطقة وخارجها.

وكما احتضن النادي موهبتي في بدايتها، فقد أكرمني وكرمني بطبع أعمالي الشعرية كاملة، بتوجيه كريم وعناية خاصة من رئيس مجلس إدارة النادي الشاعر الكبير حسن الصلهبي، ليتمكن الدارسون من الاطلاع على تجربتي كاملة دون عناء، ويسعدني من هنا أن أقدم له الشكر والتقدير.

يرى البعض أن تجربتك الشعرية امتداد لتجربة الشاعر الكبير «محمد حسن فقي».. فما رأيك في ذلك؟

- الشاعر الكبير محمد حسن فقي -رحمه الله-، حضر في مرحلة مهمة من مراحل التكوين الشعري في حياتي، فأدمنت قراءته خاصة رباعيته، التي كانت تنشر في إحدى صحف المملكة، فتأثرت به كثيرا، وتجلى ذلك في قصيدتين منشورتين في ديوان «حبيبتي والبحر» 1982م. هما: قصيدة «وهم الحياة» وقصيدة «الحب والإنسان»، كان هذا في مرحلة مبكرة جدا من مسيرتي، ثم حدثت تحولات كبيرة بعد ذلك بالانفتاح على تجارب متعددة، فصرت أتأثر بنصوص أشعر باقترابها مني، حتى أصبح لكل مرحلة من مراحل أدبنا العربي نصوص مؤثرة لشعراء ونقاد وكتَّاب مقالة وأصحاب مقامات معروفين، مررت بها كما مر بها غيري، فأصبحت نظرتي للنص أكثر عمقا من نظرتي لإنتاج كاتب أو شاعر بعينه.

يصنفك البعض على أنك شاعر عمودي مرتبط بالبحور الخليلية.. بينما يصنفك آخرون بالشاعر الحداثي.. فإلى أي التصنيفين تميل؟

- أميل حيثما تجد القصيدة نفسها، لا خيار لدي في اختيار الشكل، كما تأتي القصيدة أحتويها بكل سعادة، ذلك لأني أرى أنها هي التي تختار شكلها وفضاءاتها ولغتها وإيقاعها.

من واقع مصطلح «النص المستحيل»، الذي تبحث عن كتابته.. هل ترى أن الشاعر يكتب القصيدة أم القصيدة هي التي تكتب الشاعر؟

- هناك قصيدة تكتبها أنت، وقصيدة أخرى تكتبك، الأولى يفرضها عليك إحساسك بضغوط تتوالد معها العبارات بعيدا عن رضا الذات وتجلياتها، والأخرى تأتي بكامل زينتها وجمالياتها وتعبر ذاكرتك كنسمة هواء صباحية محملة بزخات الفعل الإبداعي، لتحملك القصيدة إلى عالمها فتكتبك دون أن تشعر بولادتها.

لكن على الشاعر ألا يتملكه الغرور بوصوله إلى «النص المستحيل»، بل يبحث عن الأجمل، ولا يظن أن النص الأخير هو نهاية الإبداع، وهذا درس أتمنى أن يعيه الشعراء، خاصة الناشئة منهم.

يشغل الوطن مساحة مهمة من أشعارك.. ومع ذلك فإن البعض يقول باختفاء القصيدة الوطنية في السنوات الأخيرة.. فبم ترد عليهم من واقع تجربتك؟

- حين أشرع في كتابة نص وطني تتملكني الرهبة وتتزاحم الأسئلة: كيف أكتب عن وطن لا ترقى إليه لغتي ولا تحيط بقداسته عباراتي؟ لكنها محاولات العاجز، فأصدرت ديوانين هما: «وطني سيد البقاع» عام 1998م، و«وطن في الأوردة»، عام 2000م، وقصائد أخرى متفرقة في دواوين أخرى، منها قصيدة «من أجل عينيك يا وطني» في ديوان: «وقفات على الماء»، واختارتها وزارة التعليم لتُدرس في منهج لغتي للصف الأول المتوسط، ورغم كل ذلك فإن وطني بشموخه تنحني أمامه القصائد لعجزها عن بلوغ رضاه. فالقصيدة الوطنية لم تختف ولن تختفي طالما أن هناك وطنا يسكننا.

يمثل الماء جزءا مهما من تجربتك الشعرية.. حتى إنه صدر كتاب نقدي بعنوان «التشكيل الرمزي للماء في شعر إبراهيم صعابي» تأليف د. أسماء أبوبكر.. فلم اهتمامك الفني برمز الماء بالذات؟

- قيل قديما إن الشاعر ابن بيئته، والماء بكل اشتقاقاته ومفرداته يشكل دلالات كثيرة في عالم الشعر، ولا يؤخذ الماء بتشكله الكيميائي، وعناصره المكونة له، بل يتم تركيبه شعريا بلغة عجيبة، فالماء شعريا غير الماء الذي تراه وتحسه.

ودون أن أدري حضرت لغة الماء بتلقائية متناهية، ولم أتبين حضوره الطاغي إلا من خلال قراءة د. لمياء باعشن النقدية بعنوان «الرمزية في مائيات الصعابي» كورقة قدمتها بملتقى النص بنادي جدة الأدبي، وهي التي أسست لهذه التهمة التي صدقتها، فكانت دراستها ضوءا جميلا وجديدا فتح المجال لدراسات متعددة، فمفردة الماء كانت قدري الذي أحببته.

في قصيدتك «أستاذة النحو» شرحت كثيرا من قواعد النحو شعرا.. فلماذا اخترتُ أستاذة النحو؟

- عنوان القصيدة غير مفاجئ ولا صادم ولا يقبل التأويل أو تعدد القراءات، إنما ارتباط العنوان بموضوع القصيدة أكسبه شيئا من العلاقة الحميمة المتداخلة والمتنامية.

الخطاب في النص موجه إليها، ومنها استيقظ صوت اللغة الوقور في أحرفه الأولى، حتى رفعت إحساسي بها عن آخر بيت بفكرة جديدة لحروف العلة حين أصبح الحبيب معتلا اعتلالا كاملا:

فاعتل أولُهُ واعتل أوسطُهُ

واعتل آخرهُ واعتل باقيهِ

في البدء كانت لفتة من صديقي الأستاذ الأديب أحمد البهكلي، نائب رئيس نادي جازان الأدبي حينها ورئيس تحرير مجلة «مرافئ»، الذي اقترح نشرها في المجلة، فحظيت بانتشار واسع عبر عالم منتديات الإنترنت، ومنها طارت بها الركبان، وبارك فكرتها أساتذة اللغة العربية بصفة عامة، والنحو بصفة خاصة، ثم زاد انتشارها عبر المنتديات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا أشارك في لقاء شعري إلا ويطلبها الجمهور.

تعرض لها بعض النقاد بالدراسة والتحليل بين ناقد معجب وآخر ساخط، كما استشهد بها أستاذ النقد والبلاغة د. أسامة البحيري، في كتاب البلاغة المقرر على طلاب كلية اللغة العربية بجامعة جازان.

وحتى هذه اللحظة فأنا أبحث عن سر الإعجاب بـ «أستاذة النحو»، رغم بساطتها ومباشرتها، لعلي أكتشف يوما ما هذا السر، أو يدلني عليه أحد.

لماذا تتخذ الموقف الرافض لقصيدة النثر؟

- مجازا قد نسلم بوجود ما يسمى «قصيدة النثر»، أما اصطلاحا فإن مفهوم «قصيدة» لا يتناسب في إضافة النثر إليها، ولو عكسنا المصطلح ليصبح «نثر القصيد»، أو عدنا إلى مصطلح «الشعر المنثور» لهان الأمر قليلا، هناك نص نثري جميل يشبه القصيدة، ويلتقي بعض الجمل الشعرية في مسحة غير واضحة من الإيقاع الداخلي، وقد يتفوق هذا النص النثري فنيا في لغته وفكرته على بعض القصائد بمصطلحها المتعارف عليه لدى النقاد، لكنه لا يحظى بشرف التسمية «قصيدة»، فالنص إما أن يكون شعرا بكل اتجاهاته وتحولاته أو نثرا في شتى فنونه وتوجهاته، وأنا أتفق مع مَنْ يرى الوزن فارقا بين الشعر واللا شعر من ناحية المصطلح، وإذا افتقده النص فهو نص نثري وليس قصيدة نثرية.