د. إبراهيم العثيمين



تأتي هذه الزيارة الاستثنائية لبوتين إلى السعودية بعد زيارة الملك سلمان إلى موسكو في عام 2017 والتي وصفت حينها بالزيارة التاريخية. وبالرغم من أن بوتين زار المملكة في عام 2007 إلا أن هذه الزيارة سوف تكون مختلفة واستثنائية، حيث تشهد العلاقات الروسية السعودية مستوى تنسيق عال خلال السنوات الأربعة الماضية، وخاصة في ملفات الطاقة والاقتصاد التي عززت من رفع مستوى التعاون في مجالات أخرى. أعتقد أن التغير في العلاقات بين الرياض وموسكو تحكمه ثلاثة متغيرات رئيسية؛ متغير داخلي يتمثل في رؤية السعودية 2030، ومتغير إقليمي يتمثل في استقرار المنطقة، ودولي يتمثل في استقرار أسواق النفط. فرؤية السعودية 2030 تعتبر خارطة الطريق التي من خلالها تتحرك الحكومة، سواء على المستوى الداخلي من خلال تطوير شامل لمنظومة وبنية القطاعات الاقتصادية والقوانين المنظمة لها، وتشجيع القطاع الخاص، أو على المستوى الخارجي من خلال تنويع مصادر التعاون الإستراتيجي وجذب الاستثمارات الأجنبية وعقد الشراكات والاتفاقيات العالمية لنقل الخبرة والمعرفة وتوطين الصناعات محليا، وذلك كله بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً. والسعودية تدرك أن نجاحها في التنوع الاقتصادي يقتضي بالضرورة تعزيز علاقات مع كل دول العالم والنظر إلى مزايا هذه الشراكة في قدرتها على تنفيذ رؤية 2030. ورسيا دولة مهمة ومتقدمة في مجالات كثيرة خاصة في مجال التقنية العسكرية، فيمكن أن تساهم بشكل فعال في تنفيذ رؤية 2030 في هذا المجال. بل يمكن المواءمة بين رؤية المملكة 2030 والخطط التنموية الإستراتيجية الروسية ليتوسع التعاون ويمتد من قطاع الطاقة والتقنية العسكرية إلى القطاعات التنموية والاقتصادية والمالية.

أما المتغير الإقليمي فينطلق من استقرار المنطقة. فتحقيق رؤية المملكة 2030 يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكة وفي المنطقة. لذا فالسياسة الخارجية السعودية بسبب الوضع الإقليمي المضطرب الذي أصبح يهدد أمنها الإقليمي، تحولت من الحياد إلى المبادرة ودخلت بكل ثقلها لحماية مصالحها والإسهام في إعادة الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية للمنطقة. وروسيا بحكم تواجدها في سوريا وهي أحد أهم أقطاب المعادلة في سوريا. فيجب إدراك أن لروسيا مصالح أساسية في سوريا ويجب أخذها بعين الاعتبار كحماية القاعدة البحرية في طرطوس، والموجودة هناك منذ فترة الاتحاد السوفييتي، وبالتالي فإن سقوط الأسد يعني خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفياتي السابق وهذا لن تقبل به أبدا. في المقابل تدرك روسيا عدم قدرتها على حل الملف السوري دون حاجتها للمملكة، لكي تأخذ دورًا أكبر في الملف السوري، سواء في المساهمة في تحقيق تسوية سياسية والتي كان للمملكة دور كبير في الدفع بها أو المساهمة في جهود إعادة الإعمار وعودة الحياة السلمية، والتي تقدر حجم التكاليف بحوالي 400 مليار دولار. أو كذلك المساهمة في جهود مكافحة التطرف والإرهاب وخاصة المقاتلين الروس الذين انضموا إلى تنظيم داعش.

أما المتغير الدولي فيكمن في ضبط أسواق النفط بين قطبين أساسيين هما روسيا والمملكة أكبر منتجي النفط. ويُعَدُّ اتفاق (أوبك بِلَسْ) حجرَ الزاوية في العلاقات بين الدولتين؛ والذي توج مؤخرا مع زيارة الرئيس بوتين إلى الرياض بتوقيع «ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط» في منظمة الدول المصدّرة «أوبك» وخارجها لكي يكون أساسا لترسيخ التعاون ودعم استقرار أسواق النفط. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الميثاق تم التوصل إليه بين دول منظمة «أوبك» وعددها 14، والدول المنتجة خارجها بقيادة روسيا وعددها 10، في يوليو الماضي خلال اجتماع في فيينا. وهذا إنجاز حقيقي يسجل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي استطاع أن يصل إلى هذا الميثاق بين دول تضخ نصف النفط الخام في العالم، كما أكد على ذلك الرئيس بوتين خلال مقابلته في قناة العربية مؤخرا.

وأخيرا أعتقد أن العلاقات بين الرياض وموسكو مهمة وتشهد نظرة جديدة من الطرفين، وسعيا بينا لشراكة إستراتيجية حقيقية لتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.