د. شلاش الضبعان

تسمع أحيانًا مَن يقول بثقةٍ موجّهًا حديثه لمَن يتكلّم عن فساد فاسد: لو كنتَ مكانه.. ألن تفعل فِعله؟

هذه العبارة المتداولة مشكلتها أنها عبارة عن مجموعة من المشاكل، وكل مشكلة أكبر من أختها:

شبه الجزم بأن كل مَن تهيّأت له فرص الفساد سيفسد، طعن بالمجتمع، فالسؤال بهذه الطريقة لا يستثني أحدًا، مهما كانت منزلته من الولوغ في مستنقع الفساد، فالمجتمع حسب نظرتهم إما فاسدًا أو مهيَّأ للفساد إذا ملَك القدرة، وسينشأ ناشئوه على ذلك بلا شك، المصيبة الأعظم والأطمّ إن كان قائل هذه العبارة أبًا أو مُعلمًا!

أيضًا في العبارة تطبيع للفساد، فالسؤال والسائل يوحيان بأن الفساد أمر طبيعي، بل قد يكون فطريًا، فالأصل أن كل مَن ملَك الفساد سيفسد، وفي هذا مخالفة شرعية، فقد بيّن هذا الدين العظيم أن كل مولود يولد على فطرة الخير، وإن لم يصرفه عنها صارف سيبقى عليها.

الأمر الآخر أن فيها دليلًا على أن لدى قائلها القابلية للفساد، فما حاول تبريره لغيره سيبرّره لنفسه إذا جاءته دواعي الفساد، فالكل فاسد، والأمر الطبيعي أن يفسد هو!

أيضًا، وهذه مشكلة، أن مَن تُقال له هذه العبارة في كثير من الأحيان يتلقاها بصدر رحب، وضعف وخنوع غير مبرّر، وقد يجيب: ممكن، فالإنسان معرَّض للفتنة!

بينما كان الأَولى به أن يجيب: لا! لو كنت مكانه، وأسأل الله ألا أكون كذلك، لن أفعل فِعله بحول الله.

نحتاج ثقة أصحاب الحق بأنهم على الحق، بترسيخ مبدأ القدوة الواثق من نفسه، الشجاع في طرح رأيه بأدب واحترام، أما التشاؤم والسوداوية، فهما دمارٌ على الفرد والمجتمع.

أيضًا أتمنى ممّن يطرح مثل هذا السؤال بثقة: لو كنت مكان الفاسد ألن تفعل فعله؟ أن يراجع نفسه، ويُدرك أنه واهِم، فالمجتمع بأغلبيته كما نرى ونسمع محبٌّ للخير، حريصٌ عليه.

كما أتمنى منه أن يتوقف عند قول الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: «ودّت الزانية لو أن النساء كلهن زواني»، فقد يكون هو المقصود!