كلمة اليوم



منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011م، ظل الدور التركي في مجريات هذا الصراع ملتبسا وضبابيا، فهو مع الثورة وضد النظام، ومع النظام وضد الثورة، وقد وظف جواره لسوريا للتذرع بأنه إنما يحمي وجوده في سياق تذبذب مواقفه، وتضاربها، وتقلباتها، وصولا إلى الغزو الأخير للأراضي السورية، في إطار ما سُمي بالحزام الآمن في الشمال السوري المحاذي لتركيا، في حين أنه بات من الواضح أن الأتراك يسعون لإبعاد المكون الكردي عن الحدود، ولو على حساب العبث بديموغرافية الجار السوري تمهيدا للتخلص من مليوني لاجىء سوري على الأراضي التركية، والزج بهم في مناطق الأكراد أولا لتوجيه ضربة لأكراد سوريا وإبعادهم عن الحدود، ومنعهم من التواصل مع حزب العمال التركي، ثم لتغيير التركيبة الديموغرافية لشمال وشرق سوريا وصولا إلى الرقة ودير الزور، مع ما في هذه اللعبة الخطيرة من فتح أبواب الجحيم أمام مواجهات واضطرابات عرقية قد تمتد لعقود وعقود، وتحرق الأخضر واليابس حيث ستدخل معها بالتأكيد بعض الفصائل السورية الموالية لها لتبقى هناك مدعومة من أنقرة على أن تقوم بدور الحراسة. كما أنها لم تتوقف عند الأميال الثلاثة أو ما يسمى بالمنطقة الآمنة، وانما امتدت إلى ثلاثين ميلا وأكثر، وقد تجاوزت ذلك بمخططاتها للوصول إلى الشرق السوري، وهي عملية أشبه ما تكون بإعادة توطين تلعبها أنقرة على حساب المكونات السورية التي ستجد نفسها داخل دوامة من الصراعات الدامية نتيجة الإخلال بتركيبتها السكانية التي سيكون من شأنها تمزيق الوطن السوري، وزرع الفتن بين مكوناته نتيجة استلاب الحيازات والتهجير والإحلال، وقد تمهد هذه الوضعية، وهذا السيناريو لو تم كما تريده أنقرة، قد يمهد لها فرصة البقاء على الأرض السورية بذريعة حماية أمنها، وهو نوع من احتلال جديد، يضاف إلى احتلال لواء اسكندرونة، وللأطماع التركية في استرداد مجال الخلافة الحيوي الذي يبدو أنه بات يستدعي صورة الصدر الأعظم في ذهن أردوغان منذ أن أحكم قبضته على السلطة، وقام بتهجين القوانين ليجعل من وجوده على رأس الدولة التركية أمرا حتميا، وهو ما يبدو واضحا من خلال الدور التركي المريب في المنطقة، وتحالفاته مع قطر وبعض الفصائل النشاز، وهذا ما دفع المملكة ومعظم دول العالم الحر لتحمل مسؤولياتهم بإدانة العدوان التركي على شمال شرق سوريا واعتباره تعديا سافرا على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية.