سالم اليامي

تابعت هذا العام مناسبة سنوية يحتفل بها العالم في الخامس من شهر أكتوبر كل عام، وهي يوم المعلم العالمي. هذا الاحتفال، والاحتفاء العالمي دأب العالم على إبرازه منذ العام 1994م. وتعود الفكرة الأساس فيه إلى إشعار هذا الكادر المهم في المجتمع بأهميته، وحيوية دوره في بناء ومساندة الأجيال. وأسجل هنا بإعجاب الدور الذي قام به عدد من برامج التلفزيون الوطني التي أفردت برامج للحديث عن أهمية هذه المناسبة، وأثلج صدري كلمة مطولة وصافية لمعالي الوزير خص بها المعلمين والمعلمات في هذه الذكرى، في الحقيقة استعرض كل هذه الحقائق، والوقائع، وأتذكر أول مهنة كتب لي الرحمن أن أمارسها في حياتي، وهي مهنة المعلم، كان ذلك قبل مدة طويلة حيث تلقيت إشعارا من ديوان الخدمة المدنية ينص على أن أراجع إحدى إدارات التعليم في المملكة، وبالفعل راجعت تلك الإدارة خلال المدة المحددة، وفهمت أن عليَّ أن أراجع قسم التوجيه الخاص بالمعلمين المستجدين، وفِي ذلك القسم، قابلني رجل ضخم البنية أسمر البشرة، أخبرني أنه المسئول عن القسم، وناولني ورقة بعد أن سألني عن اسمي، وقال لي: مبروك، يا ولدي، مدرسة محدثة. أخذت الورقة منه دون أن أفهم تماما سبب مباركته، ومعنى كلمة محدثة. المفيد في اليوم الموالي، توجهت للمدرسة المذكور اسمها، وعنوانها في خطاب التوجيه، وقصدت مكتب السيد مدير المدرسة، وناولته خطاب التوجيه، رحب بي الرجل، وبعد أن قرأ محتويات خطاب التوجيه قال: يا ابني أنت موجه للمدرسة المحدثة، وليس لمدرستنا هذه، سألت ببراءة ماذا يعني محدثة؟ قال: ليس لدي وقت كثير للتوضيح، لكن المدرسة التي تبحث عنها تعمل معنا في نفس المبنى، ولكن للفترة المسائية، أي من منتصف النهار حتى وقت العصر، ومعنى محدثة باختصار أنها منشأة لتقديم خدمات التعليم لأول مرة هذا العام. انصرفت وكان الوقت صباحا، مما يعني أنه يجب عليّ الذهاب، والعودة مرة أخرى عند منتصف النهار لالتحق بمدرستي المحدثة. المفيد أني التقيت بمدير المدرسة التي تم توجيهي لها، وكان رجلا متفهما، وله خبرة في سلك التعليم، والإدارة المدرسية، وعدني أنا وبقية الزملاء المدرسين غير المتخصصين كمربين أن يأخذ بأيدينا، ويذلل العقبات في طريقنا، المهم أنه قبل الانصراف قرر الرجل أي مدير المدرسة أن يوزع المواد، والصفوف على هيئة التدريس، وكان عددنا عشرة مدرسين، وأخبرني بأن نصيبي تدريس أحد الصفوف للسنة الأولى، وكان عددها، أربعة فصول، وعندما سألت عن أي المواد سأدرس، ابتسم الرجل، وقال: أنت نصيبك فصل من بابه. هنا شعرت بأني أمام لغز جديد، حيث لم أفهم معنى ما قال. ولكن الآن أصبح هناك زملاء مدرسون يمكن أن يساعدوا في فهم هذه المصطلحات، وبالفعل أخبرني أحد التربويين أن المقصود هو أن أقوم بتدريس جميع المواد لطلاب أحد الفصول الأولية. كانت تجربة شاقة لذلك العام الذي كانت المدرسة فيه تتأسس ببطء. ولعل العمل في الميدان على مدار عام كامل، نقل لرجل مثلي صورة حقيقية عن التضحيات، والجهد الذي يبذل في هذا القطاع، في ميدان التربية والتعليم الكل في نسق متصل من التعلم والتعليم. وكنا مجموعة من الجامعيين غير التربويين نخوض كثيرا من المهارات، والمعارف، نخطئ، ونصيب، ونتعلم كل حسب جهده واستعداده، في حقل خطير، وحساس، وله صلة مباشرة، وغير مباشرة بصناعة الناس. في نهاية ذلك العام طلبت نقلي لمنطقة تعليمية أخرى، وحصلت على الموافقة، ولما علم السيد مدير المدرسة بارك لي؛ لأنها رغبتي، ولكنه حاول أن يختبر بقائي معه لعام آخر، شكرت ثقة الرجل وأكدت له أني تعلمت في هذا العام معه معنى أن كاد المعلم أن يكون رسولا.