محمد الحرز



الإيرانيون يقتلون الشعب العراقي والعالم يتفرج. هكذا هو الوضع الآن. من كان يتصور أن تاريخ العراق بعظمته وقوته وغناه يقع لقمة سائغة في أيدي الفرس بسبب طغمة فاسدة تحكم العراق، ومجموعة من الجهلة المتعصبين الطائفيين الذين لا يدركون معنى الدولة ولا قيادتها.

هل هذا ما تريده أمريكا للعراق؟

كان الحلم بترسيخ الديمقراطية وانتشار الحرية هو الشعار الذي تم تمريره للعالم، يعزز ذلك وجود نموذج سابق في أذهان الأمريكان، وهو النموذج الياباني الذي نجح نجاحا باهرا بعد الحرب العالمية الثانية. لكن ما أغفله الأمريكان في العراق هو طبيعة السلوك الإيراني وأطماعه التاريخية في العراق، والمشروع الطائفي الواضح الذي تقوده في المنطقة، فهل قرر الأمريكان فجأة تسليم العراق للإيرانيين بعد كل ما خسروه من جنود وبعدما كل ما صرفوه من الأموال؟

المليشيات التابعة للإيرانيين والأحزاب الحاكمة استحكمت قبضتها على مفاصل السلطة، وسرعان ما أفضى ذلك إلى تفشي الفساد والمحسوبيات الطائفية، وأصبح التدين سلعة رائجة وغدت مظاهره تخفي خلفها مصالح المنتفعين والمتاجرين بالدين. وغدا كل شخص يرفع صوته بالرفض أو النقد ضد الوجود الإيراني يصفى جسديا، وبات الصوت الواحد والثقافة الواحدة هي المسيطرة وما عداها ضرب من المحال.

يفتخر الإيرانيون أنهم سيطروا بميليشياتهم على أربع عواصم عربية. على ماذا يفتخرون؟!!

حولوا حزب الله إلى دولة داخل دولة في عملية ممنهجة لإسقاط سلطة مؤسسات الدولة باسم أكثر الشعارات استهلاكا في العصر الحديث عن فلسطين، وفي سوريا والعراق باسم مقاومة الإرهاب والطائفية أسسوا لهم ميلشيات تضارع سلطة مؤسسات الدولة، ولم يقدموا سوى الإرهاب وبث الاضطرابات وزرع الفتن الطائفية في كل مكان يحلون فيه. على ماذا يفتخرون؟! هل اليمن تتحمل عبث الحوثيين وميليشياتهم، وهل قدم الإيرانيون حين دفعوا الحوثيين إلى واجهة السلطة سوى السلاح والعقيدة الإيديولوجية البالية للثورة. أين يكمن افتخارهم يا ترى؟! هل قدموا لهم مشاريع تنموية وخدمية تساعدهم على ضنك العيش؟!

ألا يتعظ هؤلاء من التجارب التاريخية الثورية السياسية التي لم تحقق لشعوبها الرفاهية والتنمية البشرية، لم تحقق سوى الحروب والفتن وانتشار الكراهية وتجارة السلاح والدم.

لا طريق آخر إما الدولة أو اللادولة، إما أن تكون مع استقرار المنطقة أو مع الفوضى، والإيرانيون يجيدون الفوضى بامتياز. لقد استطاعوا ما كانت المملكة تحذر منه، من زمان في زرع عملاء وتحريكهم واستثمارهم وقت الضرورة، وتاريخ علاقاتهم مع العالم يشهد عليهم بذلك. حين تنظر خلال الفترة القصيرة التي تدخلوا فيها بالعراق، انظر كيف استغلوا مشاعر البسطاء من الناس وتدينهم الشعبي، وأغرقوا أجواءهم وحياتهم اليومية بتكريس ثقافة الماضي والتشجيع عليها في ظل الفقر والعوز الذي يطال أغلب الشعب.

لكن الوضع لن يظل على حاله، ها هو الشعب العراقي الأبي ينتفض، ويخرج للشوارع منددا بهؤلاء وأتباعهم، يطالب بحقه في العيش بكرامة وحرية في أرضه، أرض الرافدين العظيم. لا شيء يحجب هذه الحقيقة التي نراها على مواقع التواصل الاجتماعي رأي العين المباشرة، لا شيء يحجب عنا حقيقة ما يجري مهما حاولت هذه الميلشيات تشويه صورة هؤلاء الناس الذين خرجوا بعفويتهم دون تسييس أو مؤامرة كما يدعون.

هذه التضحيات التي يقدمها أبناء الشعب العراقي بدمائهم ضد هذه الطغمة الفاسدة سوف تكون علامة للانطلاق إلى المستقبل، وعلامة للأجيال القادمة على من يحكم باسم الدين سوف تكون مآلاته مثل هؤلاء وأتباعهم.