د. نورة عبدالله الهديب



الممارسات اليومية في حياتنا تُكسبنا الكثير من المهارات والمعلومات التي نُتقنها مع مرور الزمن. ولا يشترط في تلك الممارسات أن تكون إيجابية أو سلبية؛ لأن الإنسان بطبيعته يتعلم من الممارسات التي تساعده على التكيّف أو التأقلم في حياته، والتي تتناسب مع قدرته وطبيعة بيئته.. لو فكّرنا قليلًا في تلك الممارسات لوجدنا أنها، مع مرور الوقت، تصبح ثقافة، سواءً على الصعيد الشخصي أو العام.. فالمُثقف في الأصل هو ممارس لعادةٍ معيّنة، كالقراءة، الكتابة، الطبخ وغيرها من الممارسات التي صقلت وأضافت ميزة إيجابية أو سلبية لصاحبها.

وفِي الجهة المقابلة، فالمُدمِن والسارق وغيرهما هما مُثقفان بما يمارسانه من عادات سلبية جعلتهما محترفَين في مهنتيهما حتى لو كانتا سلبيتَين أو غير مقبولتَين.

ومع انتشار ظواهر العنف في مجتمعنا عن طريق الـ سوشيال ميديا، شخصيًا لاحظتُ أن ظاهرة العنف ما هي إلا نتيجة ممارسات لبيئات مختلفة يتخذها البعض وسيلة من وسائل التربية. ويؤسفني أن أَجِد أن العنف أصبح ثقافة سلبية يتخذها البعض أداة تربوية أو غير ذلك.. فالعنف ثقافة الجاهل الذي يعتقد أن العنف هو الطريقة الوحيدة والأسرع للتربية، وللأسف.. سلوكيات التعنيف عند الجهلاء قد تتوارث عند البعض؛ لتصبح ثقافة تربوية معتمدة عند الجهلاء.

وقفتُ مع نفسي لتفسير هذه الثقافة السلبية التي أخذت حيزًا من أخبار مجتمعنا، فوجدت أن العنف له أسباب ومسببات ونتائج متوارثة سلكت مسلكًا منحرفًا؛ بسبب الأدوات المساعدة في عالم التقنية كالألعاب وسهولة الوصول إلى مشاهد العنف.. فالبعض يجد أن العنف كان أداة تربوية لم تؤثر على البعض، والبعض الآخر يجدها العكس.

قديمًا.. كان الغرض من التعنيف هو العقاب للتأديب، ومع أني ضد هذا الأسلوب، ولكن لم تكن نتائجه السلبية ظاهرة أو متوارثة؛ بسبب عدم وجود الأدوات المعززة للعنف، والتي تتوافر لنا في هذا الوقت. ففي زمننا أصبح العنف نتيجة لاضطرابات نفسية وسلوكية واجتماعية متراكمة قد شوّه المعنى التأديبي أو التربوي الذي انعكس بشكل سلبي على شخصية المُعنف.

فظاهرة العنف هي نتيجة لثقافة العنف المخفية عند البعض، والذي أدى إلى ظهور عاهات نفسية أو سلوكية تُفرغ شحناتها على الآخرين بشكل بعيد تمامًا عن الإنسانية.

أتمنى من منظومة التعليم والتنمية الاجتماعية ومنظومة الصحة الأخذ بعين الاعتبار الحد من انتشار هذه الثقافة الخفية، والقيام بدراسات كيفية عميقة ودقيقة؛ للوصول إلى مقترحات أو مبادرات تهتم بالطفل أولًا والأسرة ثانيًا للنهضة بمجتمع سويّ سلوكيًا؛ لنشر ثقافة الوعي حول ثقافة العنف، ومدى خطورتها، وكيف يتم علاجها، والحلول البديلة لهذه الثقافة حول تربية أو تأديب الأبناء.