د. إبراهيم العثيمين



خلال المؤتمر الصحفي الدوري لقيادة القوات المشتركة للتحالف، الذي عقد في «١٦ سبتمبر ٢٠١٩» أكد المتحدث الرسمي باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الركن تركي المالكي، أن جميع الدلائل والمؤشرات العملياتية وأيضا الأسلحة التي تم استخدامها في الهجوم الإرهابي الكبير الذي استهدف إمدادات الطاقة العالمية والأمن الاقتصادي العالمي في معامل النفط في بقيق وخريص تؤكد أن الأسلحة المستخدمة في الهجوم هي أسلحة إيرانية، وأضاف إن «لم يكن الهجوم الإرهابي من الأراضي اليمنية كما تبنت الميليشيات الحوثية، حيث إن هذه الميليشيات هي مجرد مطايا لتحقيق أجندة ورغبات الحرس الثوري والنظام الإيراني الإرهابي». وبالتالي فتورط إيران وبصمتها في هجوم أرامكو واضحة جدا. لكن إلى حين خروج التحقيقات اعتقد أن تداعيات هجمات أرامكو كبيرة على كافة المستويات.

فمن ناحية أدت الهجمات إلى زيادة عزلة إيران دوليا. فقد اتهمت واشنطن وبرلين ولندن وباريس، إيران بالوقوف وراء هجمات أرامكو. وبالتالي حتى الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي والتي كانت متعاطفة مع إيران أدانت الهجمات وطالبت برد جماعي على إيران لعقابها إذا ثبت تورطها. وعليه فإيران ليست إيران قبل سنتين عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وحصل انقسام عالمي بشأنها. فنذكر أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي أعلنت معارضتها للانسحاب. اعتقد أن السلوك الإيراني في المنطقة أصبح واضحا ومؤذيا وفقد تعاطف العالم كله. فهو سلوك أصبح لا يخص دولة بعينها بل العالم أجمع. فقد أثبتت الهجمات الأخيرة امتلاك إيران لقدرة كبيرة من الغباء الإستراتيجي، كما وصفها بذلك صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الأخيرة في برنامج ٦٠ دقيقة، أفقدها تحالفاتها تعاطف العالم وأكسبها عداء العالم كله.

إن هذه الهجمات أثبتت كذلك للعالم وضوح المشروعين الإيراني الداعي للدمار والفوضى والخراب بالمنطقة، والمشروع السعودي الداعي للاستقرار والتنمية. فالمشروع الإيراني الذي يحاول هز استقرار منطقة تمثل حوالي 30% من إمدادات الطاقة العالمية، وحوالي 20% من ممرات التجارة العالمية، وحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يجب أن يتوقف يجب أن يكون للعالم وقفة حازمة وصارمة معه. فلما سئل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان خلال المقابلة بأن هجوم أرامكو ضرب قلب صناعة النفط في السعودية، كان رد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان سريعا لم تضرب قلب قطاع الطاقة السعودي، بل ضربت قلب قطاع الطاقة العالمي. هذه الضربة عطلت ما يقارب 5.5% من احتياج العالم للطاقة، احتياج أمريكا والصين والعالم بأسره. فهناك احتياج إستراتيجي عالمي لاستقرار المنطقة ودعم الأمن فيها. ولا يجب السماح لدولة مارقة أن تتحكم في مصير الاقتصاد العالمي بسبب مراهقه سياسية أو رعونة أيديولوجية. كما أن العالم كله وقف في وجه هتلر عندما سعى لهز التوازن الدولي وهدد النظام العالمي، حان الوقت للعالم أن يقف في وجه هتلر الشرق الأوسط.

الأمر الثالث أن هذه الهجمات والتي نتج عنها توقف إمدادات النفط بنحو 5,7 مليون برميل، أو حوالي 50% من إنتاج شركة أرامكو وأن الانخفاض في الإنتاج لنحو خمسة ملايين برميل يوميا في هذين المعملين يُمثّل خسارة حوالي 5% من الإنتاج العالمي من النفط الخام يوميا. إلا أن السيطرة على هذا الوضع الخطير والمرعب للاقتصاد العالمي ولأسواق الطاقة في أقل من أسبوعين حيث عوضت المملكة الانخفاض الناتج من خلال المخزونات، وهو ما أدّى إلى عدم تأثر السوق والعملاء بما خلفته الهجمات الإرهابية، وتعهد شركة أرامكو بأن تفي بكامل تعهداتها والتزاماتها وأن تعود قدرة المملكة الإنتاجية كما كانت عليه وأكثر في أقل من شهر متقدمة حدوث الهجمات، يثبت بما لا يدع مجالا للشك على حكمة أرامكو وقدرتها وحرفيتها وريادتها العالمية، فلولا هذه الحرفية العالية لأرامكو لوصل برميل النفط إلى 150 دولارا، بحسب حديث وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير. فكانت هذه الهجمات الإرهابية بمثابة اختبار عملي لقدرة الشركة وحرفيتها، والتي تنوي طرح جزء من أسهمها للاكتتاب.

وأخيرا اعتقد أن هجمات أرامكو شكلت نقطة تحول كبيرة بالمنطقة، وخاصة في التعاطي مع خطر إيران ووكلائها بالمنطقة، سوف تفرض هذه الهجمات معادلات جديدة وأعتقد تحالفات جديدة لوقف هذا الخطر الذي أصبح مهددا للعالم أجمع.