خالد الشنيبر



حينما يتم تعيين مسؤول في جهة عامة كان في وقت سابق «مستفيدا» من خدمات تلك الجهة ومطلعا على جميع التحديات، وبمعنى آخر يتم تطبيق مفهوم «التوظيف من الطرف الآخر»، وقتها يزداد تفاؤلي بشكل أكثر من السابق في قدرتنا على تحقيق العديد من المستهدفات التي نعمل عليها للمرحلة المقبلة، وهذا ما رأيناه في قرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي والمعني بتحمل الدولة لمدة خمسة أعوام المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة للمنشآت الصناعية المرخص لها بموجب ترخيص صناعي.

السنوات الماضية كانت قاسية على القطاع الخاص وهذا واقع لا يمكن إنكاره، فالسوق كان مشوهاً والصدمات كانت متتالية زادت أغلبها من التشوه ولم تعالجه، ومن خلال تلك السنوات جربنا عدة قرارات، والبعض منها كان استنساخاً لتجارب دول تختلف في هيكلتها عن الهيكلة الاقتصادية في المملكة، فأحياناً نضطر لاختيار قرار مؤلم مُجبرين عليه، وهذا لا يعني أننا أخطأنا، بل كان هو التوجه الأنسب على المدى القريب وفقاً للأوضاع المحيطة التي لها تأثير كبير في اتخاذ هذا القرار بهذا الوقت، ولذلك كنا مؤيدين لتلك القرارات كحلول مؤقتة مع ترقب أثرها، ومن تلك القرارات كان قرار رفع المقابل المالي على العمالة الوافدة لحماية العمالة المحلية وذلك استنساخاً من التجربة السنغافورية التي تعتبر من أنجح التجارب على المستوى العالمي لحماية العمالة المحلية، بالرغم من عدم نجاحها على السوق السعودي بسبب تطبيقها بطريقة مختلفة، وكانت آثارها السلبية أكثر من إيجابياتها.

في الوقت الحالي نجد أن القطاع الخاص بحاجة إلى بث روح التفاؤل فيه وإزاحة التشاؤم والكآبة منه، فهذا القطاع يعتبر ماكينة التنمية في أي دولة على مستوى العالم، واللافت في المرحلة الحالية وجود مراجعة دورية ودائمة للقرارات التي يتم تطبيقها خاصة فيما يتعلق بالقطاع الخاص وذلك بشكل مرن، فالتوازن مطلب مهم لتقوية أذرعة الاقتصاد، ومبدأ البقاء للأفضل هو الأهم خلال السنوات القادمة حتى يكون القطاع الخاص شريكا قويا للتنمية يساهم بشكل حقيقي في الناتج المحلي.

قرار تحمل الدولة لمدة خمسة أعوام المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة للمنشآت الصناعية يعتبر من أكثر القرارات تحفيزاً لأهم ذراع اقتصادي في المملكة بعد ذراع النفط، وهذا التحفيز سيكون له أثر كبير في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات في المملكة، وعلى الصعيد الشخصي فأنا متفائل جداً بما سيشهده القطاع الخاص من حوافز في الفترة القريبة القادمة بعد الإعلان عن هذا القرار ما سينعكس على نمو الاقتصاد المحلي.

البعض كان موقفه سلبيا من هذا القرار بسبب تعارضه مع حلول البطالة، وكوجهة نظر شخصية أعتقد أن هذا القرار سيكون تأثيره إيجابياً بشكل أكبر من المتوقع، فالقطاع الصناعي يعتبر من القطاعات التي يزداد فيها توظيف الأيدي العاملة محلياً بشكل طردي مع توظيف العمالة الوافدة، ويعتبر الأساس في فتح فرص وظيفية لقطاعات أخرى، وحتى لو لم يتفق معي البعض في ذلك ولكن هذا الواقع، ومع تطبيق هذا القرار سنرى دخولا للأيدي العاملة المحلية بشكل لافت، وأعتقد أن القرار سيتبعه رفع لمعدلات التوطين في القطاع الصناعي بشكل تدريجي «غير مبالغ فيه»، فالسوق كان يعاني «شحا» في السيولة المالية، ومن خلال هذا القرار سيكون دوران السيولة المالية في السوق بشكل أكبر ما يعزز من عمليات التوسع والتوظيف.

ختاماً: العجز الحقيقي برأيي هو الاستسلام لمشاكلنا الاقتصادية والاسترسال في الحسرة على عدم الإصلاح الاقتصادي بالأدوات المتاحة، فنبارك للمنشآت الصناعية هذا القرار، ونبارك لأنفسنا مقدماً ما سيترتب عليه هذا القرار وما سيتبعه في القريب العاجل من قرارات للقطاع الخاص، واليوم يمكن القول إن أعذار القطاع الصناعي انتهت، والمرحلة التالية هي الحسم.