سالم اليامي

الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي أعلنت وفاته قبل أيّام، ونقل جثمانه إلى المدينة المنورة حيث دفن هناك بوصية منه. خبر وفاة الزين ودفنه وغيابه عن مشهد الحياة مرّ دون أي تعليق رسمي من الحكومة أو السلطات التونسية الحالية، بمعنى لم يكن هناك تعليق حكومي رسمي لا بالسلب ولا بالإيجاب، وأشير إلى هذه الجزئية لسبب بسيط وهو أن الزين مثل فترة من تاريخ الحكم والسلطة في البلاد التونسية، وفِي رأينا أنها فترة مهمة. ودار الجدل بين أهل تونس عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول نقاط كثيرة منها الحديث عن مرحلة حكم الزين وما لها وما عليها، خاصة في النواحي الاقتصادية وفِي مجال الحقوق والحريات، ويذكر كثير من الأشقاء في تونس أن فترة بن علي إجمالاً، كانت فترة حكم بوليسي قمعت فيه كثير من الحريات، وغيبت فيه كثير من الحقوق. ولكنه كان حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي كما شهد فترة من النمو الاقتصادي عملت عليها الحكومات التي أدارها بن علي ورجاله، ويستشهد كثيرون بأن مستوى البطالة أيّام بن علي هو ذات المستوى اليوم الذي يتراوح بين 15 إلى 18 في المائة. بمعنى أن ثماني، أو تسع سنوات من عمر الثورة لم تستطع أن تحدث فرقا يذكر.

بعض القنوات التلفزيونية المحلية أنتجت برامج جماهيرية نزلت إلى الشارع، وتحدثت مع الناس عن نقاط معينة مثل: هل يحق للرئيس السابق أن يعود ليدفن في بلاده؟ أصوات واقعية وربما منفتحة سياسيا قررت أنه كان من المفروض أن يسمح للرجل بأن يعود إلى الأراضي التونسية، ويدفن في بلاده، وأصوات أخرى ركزت على ضرورة أن تحترم رغبته وأن يدفن في المكان الذي أوصى بأن يدفن فيه، بما في ذلك حقه في العودة إلى بلاده، وعموما الرجل دفن في مدينة أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، ونقلت مصادر قريبة من بن علي وأسرته أن هذه وصيته خاصة بعد أن اشتد عليه المرض في الآونة الأخيرة، ولعلها كانت خيارا مناسبا للرجل ولأسرته لأن أسرته الصغيرة جدا المتمثلة في زوجته وبناته كانت حوله في المملكة العربية السعودية منذ العام 2011م، والجزء الآخر من العائلة موجود في تونس ولا يتمتع الكثير منهم بحق مغادرة الأراضي التونسية نظراً لوجود أحكام قضائية، وموانع قانونية تعيق خروجهم من تونس، وفِي ذات الوقت أسرته الصغيرة في السعودية ليس مصرحا لهم بدخول الأراضي التونسية خاصة زوجته السيدة ليلى بن علي وبناتها، وأزواجهن.

المفيد أن الموت غيب الزين وهذا هو الاسم المختصر الذي كان يطلقه عليه أهل تونس، في مرحلة نضجت فيها البلاد واستوى عود ثورة الياسمين التي انطلقت في 14 يناير 2011م، حيث إن بن علي ألقى آخر خطاباته في الناس يوم 13 وحاول أن يسترضي الناس بأنه فهمهم وأدرك المعضلات الاقتصادية التي كانوا يعانون منها، ولكن الوقت والصدام بين أجهزة السلطة وبين الناس تصاعد بشكل درامي، أجبره على الخروج ومغادرة مطار قرطاج للمرة الأخيرة في يوم الجمعة 14 فبراير إلى المملكة العربية السعودية حيث قضى بقية حياته حتى لقي وجه ربه. المنصفون من أهل تونس يعطون كل مرحلة حقها، ولا يغمطون القيادات حقها ومن أجمل الأقوال في الزين بعد وفاته، أنه لا يتحمل وحده كل أوزار فترة الثلاثة والعشرين عاما، فهناك أدوات السلطة التي أحيانا تضل الطريق مثل البوليس والأمن والأسرة، والعائلة والأرحام والمقربين من القصر. العائلة والأرحام جزء من مرحلة صعبة، وحرجة في تونس حتى إن كل الصور الكبيرة في الميادين والمنشآت العمومية كانت في الغالب للزين ولحرمه السيدة ليلى الطرابلسي. بن علي والقسوة في إدارة السلطة ونفوذ العائلة والأعوان ستبقى علامات في تاريخ تونس لا يمحوها الموت.