عبداللطيف الملحم

بداية، كنت أبحث عن عنوان يتحدث عن أكثر المدن هدوءا في العالم رغم الضجيج والأصوات التي تصدر من منشآتها التي تتعامل مع أهم السلع في العالم. ولكن أول شيء خطر ببالي هو ما كنا نطلق عليه (قز بقيق) والذي هو علامة لهذه المدينة الصغيرة التي تعتبر من المدن التي تعرفها من مسافات بعيدة من خلال الأضواء والأشعة التي ترى من مسافات بعيدة لنقاط معينة يتم حرق الغاز الزائد في تلك الفترة والتي أكبرها ما نطلق عليه (قز بقيق). ومنظر اللهب المشتعل يعطيك خيالا وشعورا يتمثل في التفكير حيال انتقال هذه المدينة من حقبة إلى أخرى. وأصبحت هذه الشعلة مثالا لكثير من الأمثال الحديثة والروايات المختلفة على مسامع الأجيال الماضية ودائما يتكرر اسم (قز بقيق) بصورة مستمرة في أحاديث المجتمع خاصة في الأحساء. ومن يقترب من لهب النار الصادر من عملية حرق الغاز يحس بداخله درجات مختلفة من الأجواء الشاعرية وسط جمال الصحراء في الليل. وهذا الشعور لا يعرفه إلا من تعدى فئة عمرية معينة. و لاحقا توقف حرق الغاز وتم استخدامه في معامل البتروكيماويات وغيرها واختفت ألسنة اللهب الكبيرة. وفي الوقت الحالي لا نرى إلا عددا من شعلات النار الصغيرة التي تكون عادة مشتعلة لأغراض متعددة. ولكن الواقع يقول إنه لم يتغير شيء في أبقيق من ناحية الأهمية أو حجم المنشآت النفطية. فأبقيق في الحقيقة شعلة من التطور التقني ولن تنطفئ فيها الشعلة.

مدينة بقيق أو أبقيق من المدن الحديثة نسبيا رغم تواجد الكثير فيها في الأزمنة القديمة. وتبلغ أهمية هذه المدينة للعالم أجمع؛ كونها تمتلك أحد أكبر المنشآت البترولية في العالم. وقبل عدة أيام تعرضت منشآت النفط بهذه المدينة لاعتداء إرهابي جبان. وإلى وقت كتابة هذه الأسطر لم يعرف مصدر الهجوم ومن وراءه رغم كل التصريحات الجوفاء من جماعات إرهابية ودول همها زعزعة الأمن في المنطقة. ولكن رغم فداحة هذا العمل، إلا أن هناك أمورا يراها ويعلمها العالم وهي أن هذا البلد فيه من المواهب والاحترافية ما جعل تأثير هذا العمل محدودا دون خسائر بشرية. ويعتبر منسوبو شركة أرامكو السعودية والشركات الأخرى التي تتعامل مع البتروكيماويات في المملكة من الأفضل في العالم في فن التعامل مع الأزمات والحوادث الطارئة. وكذلك لدينا قوات عسكرية تستطيع الرد والدفاع عن أراضي المملكة في ظل قيادة حكيمة تتبع سياسة النفس الطويل ولكن بثقة عالية لكل خطوة تقوم بها وسط تلاحم بين القيادة وكل فرد من أفراد المجتمع... فشعلة النار في مدينة أبقيق الجميلة ستظل مشتعلة مهما حاول أعداء هذا البلد النفخ عليها.