خليل الفزيع

ماذا يعني اليوم الوطني لكل دولة، هو في الغالب يوم تأسيسها، أو استقلالها، أو توحيد كياناتها الصغيرة في كيان كبير، والمحصلة لكل ذلك هو بعثها من قمقم الأماني المستحيلة، إلى عالم الواقع، بآفاقه التي لا تحد، وعوالمه المكتنزة بالطموحات والآمال التي تتجدد مع الأيام والسنين، وفق خطط تنموية طموحة تتولى إنجازها الأجيال المتعاقبة، في كيان مبني على قواعد الدولة ذات السيادة الوطنية، والدستور الثابت بقيمه ومبادئه، لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والحرية المنضبطة لكل مواطن، وما احتفاؤنا باليوم الوطنى سوى اعتزاز بجهود أولئك الذين بنوا هذه الكيان الكبير بقيادة رجل منحه الله من الحكمة والإصرار والبطولة ما مكنه من استعادة ملك آبائه وأجداده، وفي ظروف صعبة لم تثنه عن المضي في سبيل بناء هذا الكيان الكبير.

ومن يستعرض تاريخ هذا الوطن العزيز، يعرف مراحل تطوره، بإيقاع سريع وبخطوات واثقة، وبخطط تنموية طموحة، نقلته إلى درجات من التطور والازدهار لم تكن لتتحقق لولا إرادة قيادته التي حققت ولله الحمد والمنة أحلام المواطنين، في بلوغ ذرى المجد وقمم الانتصار على معوقات البناء الحضاري الشامخ، وهو انتصار وضع أسسه الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وواصل البناء على نهجه أنجاله الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان، وفي كل عهد حققت البلاد إنجازات حضارية كبيرة، ولم تتوان عجلة التطور طوال سنوات هذا العهد الزاهر، عن المضي في طريق التنمية، والازدهار، في ظل الأمن والاستقرار، وهما ركيزتا كل تطور وكل تقدم في كل المجالات، لتحقيق رفاهية المواطن، وتعميق شعوره بالمواطنة، لا كشعار يرفع في المناسبات الوطنية، ولكن كشعور يتعمق في وجدانه، ويترجمه ولاء للقيادة، ومحبة للوطن، ودفاعا عن مكتسباته ومنجزاته، وهذا هو الانتماء الوطني الحقيقي.

ومع اتساع رقعة البلاد، امتدت مشاريع التطوير إلى كل البقاع، وحظي كل جزء من بلادنا بنصيب وافر من هذه المشاريع، وفي كل المجالات دون استثناء، حتى أصبح هذا الوطن في مقدمة الدول المؤثرة في اقتصادات العالم، والمشاركة مع الدول الشقيقة والصديقة في بناء مستقبل أفضل لإنسان هذا العصر، من خلال التنمية المستدامة ومكافحة الإرهاب، والعمل على إقرار الأمن الإقليمي والسلام العالمي، والتقدم العلمي الذي تعمل عليه وتجني ثماره كل الدول.

واحتفاؤنا باليوم الوطني هو تذكير بما كانت عليه هذه البلاد، وما آلت إليه، فالأجيال الجديدة لا تعرف حجم المعاناة التي تحملها جيل التأسيس، لبناء هذا الكيان الكبير وسط أجواء من التناحر والعداوات والحروب بين القبائل، مما يوجب المحافظة على كل ما تحقق على هذه الأرض الطيبة من إنجازات، في الزمن الصعب، وحري بأبناء هذا الجيل لا أن يتخذوا العبرة مما مضى فقط، بل ويحافظوا أيضا على كل منجز يتحقق في كل شبر من هذا الوطن الشاسعة أرضه، والمنيع كيانه، والشامخة مشاريعه، والصلبة إرادة مواطنيه، ومن فضل الله على هذا الوطن أن يسر له من الإمكانيات ما مكنه من مساندة الحق في الدول الأخرى، والوقوف معها في وجه أي مدّ تخريبي، ومساعدتها للتغلب على أي ظروف صعبة نتيجة الحروب أو الكوارث الطبيعية، أو الأحداث المفجعة.

نسأل الله أن يحفظ هذا الوطن ومواطنيه، وأن تزداد قدمه رسوخا في طريق البناء والازدهار والتنمية المستدامة.