فهد سعدون الخالدي

جاء الحديث عن السياحة الدينية ثالثاً مع أنها بالتأكيد في المقام الأول من الأهمية، وكذلك من حيث الحجم وأعداد الزوار والمعتمرين والحجاج ومساهمتها في الاقتصاد الوطني، إضافةً إلى ارتباطها بأهمية المملكة في العالم الإسلامي.. لكن الذي تطرقنا إليه سابقاً يتعلق بتوجه السعوديين للسياحة في الخارج وما يمكن عمله لتشجيع هؤلاء على استبدال الوجهات السياحية الخارجية بالسياحة الداخلية، وهو الأمر الذي تشير المعطيات والأرقام التي أوردناها إلى النمو في أعداد من يعدلون وجهاتهم السياحية إلى الداخل، لا سيما أن أسباباً كثيرة تجعل ذلك ضرورة وتحتم تشجيعه وعمل كل ما يمكن عمله لإنجازه وتحقيق المزيد منه، خاصة وقد أكدت الأيام أهميته على ضوء تعرض بعض المواطنين لمخاطر أمنية في بعض البلدان التي توجهوا إليها كما حصل في تركيا مؤخراً.. وعودة للحديث عن السياحة الدينية فإن جهود المملكة وما تقوم به لخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والزوار والمعتمرين يشهد بها القاصي والداني، سواء من حيث توسعة الحرمين الشريفين أو مشاريع البنى التحتية في المشاعر وزيادة الطاقة الاستيعابية الفندقية في مكة والمدينة بما يلبي الزيادة في الطلب ومشاريع الطرق والمواصلات، وآخرها قطار المشاعر وقطار الحرمين وغير ذلك من الخدمات والموارد التي تسخرها الدولة لهذا الغرض، ويتزامن هذا المقال مع صدور قرار مجلس الوزراء بإعادة هيكلة رسوم تأشيرات العمرة والزيارة والحج ضمن السعي للوصول إلى ثلاثين مليون معتمر سنوياً، وهو ما يهدف هذا الإجراء إلى تحقيقه وكذلك ما يتضمنه القرار من إلغاء رسوم العمرة المكررة مما سيسهم بالتأكيد في زيادة أعداد المعتمرين من كافة أقطار العالم الإسلامي. كما أن السماح للمعتمرين بالتنقل في أنحاء المملكة سوف يكون له نتائج إيجابية بالتأكيد من النواحي الاستثمارية وخاصة في مجال خدمات المواصلات والسكن والمشتريات من الهدايا وغيرها، إضافة إلى التعريف بالإمكانات السياحية والطبيعية والتاريخية المتاحة في أرجاء المملكة والترويج السياحي لها خاصة على ضوء قلة المعلومات المتوفرة لدى الشعوب الشقيقة في هذا المجال؛ كل ذلك يؤكد أن السياحة الدينية تحتل المكان الأول في سعي الدولة لتعدد مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط باعتباره المصدر الوحيد للدخل القومي، وهو ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 طبعاً إلى جانب غيره من مجالات السياحة الداخلية في المملكة. ولا شك أن القنوات الإعلامية كافة مطالبة بالقيام بدورها في تحقيق هذه الطموحات، والتي تهدف إلى أن يكون عدد زوار مكة المكرمة عام 2030 يصل إلى عشرين مليون سنوياً، مع ما يتطلبه ذلك من توسع في قطاع الإيواء ووكالات السفر والخدمات السياحية، ففي الوقت الذي تبلغ تكلفة توسعة الحرم المكي حوالي 26 مليار دولار، فإن مليارات أخرى تنفق أيضاً في بناء الفنادق الكبرى لتلبي الحاجة التي ترافق الزيادة المتوقعة في أعداد الحجاج والزوار. حيث يقام على مقربة من الحرم أكبر فندق في العالم يحتوي على عشرة آلاف غرفة وتزيد تكلفته على ثلاثة مليارات دولار، وهذا مثال واحد من المشاريع التي يتم تنفيذها حالياً وما يخطط لتنفيذه مستقبلاً. وإذا كانت السياحة الدينية تأتي حالياً في المركز الثالث بين مصادر الدخل بعد النفط والصناعات البتروكيماوية، فإن ما يميز هذا المصدر هو الديمومة بل وإمكانية النمو، في حين أن مصادر الدخل الأخرى عرضة للنضوب أو على الأقل انخفاض أهميتها تبعاً لاكتشاف مصادر بديلة للطاقة، مما يؤكد صواب الرؤية في الاهتمام بهذا المصدر وتطويره وهو ما تعمل عليه الدولة بكل تأكيد وتوفيق الله سبحانه وتعالى.