د. إبراهيم العثيمين

فشل المشروعين التركي والإيراني في المنطقة، القائمين على دعم مشروع اللّادولة وضرب مفهوم الدولة الوطنية وما ترتب عليه من فوضى ودمار في المنطقة، كان لصالح المشروع السعودي والجماعي الخليجي والقائم على تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية. فخلال مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي أقيم في الرياض (23 أكتوبر 2018)، تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو جالس في المنصة الرئيسية عن رؤيته لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، وقال إنها سوف تكون أوروبا الجديدة خلال العقود الثلاثة المقبلة بما تملكه من اقتصادات قوية وناشئة. معلنًا أن نهضة الشرق الأوسط بمنزلة حربه الشخصية التي يقودها. وفي حوار الأمير محمد بن سلمان الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط في يونيو 2019، استكمل رؤية المملكة في تعاطيها مع ملفات المنطقة والتي تقوم على مبدأين رئيسين الاستقرار السياسي - الأمني والتنمية الاقتصادية. ففي أول حواره أكد على مبدأ الاستقرار السياسي والأمني عندما قال: «إن أولويتنا هي مصالحنا الوطنية، وتحقيق تطلعات شعبنا من خلال أهداف «رؤية المملكة 2030» الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكة وفي المنطقة، لذا ستجد أن دور المملكة، سواء في منطقة الخليج أو في شمال أفريقيا أو في منطقة القرن الأفريقي وغيرها، هو دور داعم للاستقرار والسلام». ثم بعد ذلك أعاد الأمير محمد في حواره التأكيد على المبدأ الثاني وهو مبدأ التنمية الاقتصادية، حيث قال: «بالنظر إلى المنطقة العربية حيث يوجد إجماع بين الغالبية العظمى لدولنا على أولوية العيش الكريم للمواطن، وتحقيق أمن واستقرار أوطاننا. لا تريد شعوبنا أن تكون أسيرة لنزاعات أيديولوجية تهدر فيها مقدراتها. واليوم وبشكل غير مسبوق أصبح هدف الجميع واحدا، وبات التنافس بين معظم دولنا على تحقيق أفضل معايير الحياة للمواطن، وجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية في المجالات كافة. ورأينا بدايات المشروع السعودي، سواء في دعم الاستقرار في مصر من خلال دعم الشعب المصري وثورته التصحيحية، ثم الدخول في مشاريع تنموية كبيرة أبرزها جسر الملك سلمان الذي سوف يشكل طريقا لنقل البضائع الخليجية إلى أفريقيا وأوروبا والعكس، فضلا عن توجيه صادرات مصر، وتحديدا الغذائية، إلى دول الخليج. وبالتالي سوف يرفع التبادل التجاري بين البلدين، وكذلك بين القارتين آسيا وأفريقيا لمستويات غير مسبوقة تصل إلى 200 مليار دولار. أو مشروع نيوم الضخم الذي بلغت قيمته 500 مليار دولار، والذي يعتبر جزءاً من رؤية السعودية 2030، ويجسد طموحات المنطقة ويشمل كلا من مصر والأردن. كذلك رأينا هذا المشروع في دعم استقرار العراق، حيث حرصت السعودية منذ الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 على انتشال العراق ذي الثقل الكبير من أزمته، واستعادته إلى محيطه العربي مرة أخرى، وتخفيف المعاناة عن شعبه، وتعزيز أي جهود لإعادة بناء مؤسساته والتي أثمرت هذه الجهود بالاتفاق على إنشاء المجلس التنسيقي السعودي - العراقي، كإطار مؤسسي، يتكفل بوضع العلاقات في مسارها الصحيح والدخول في مشاريع تنموية تخدم الطرفين. وهذا هو الحال بالنسبة لليمن من خلال دعمها لإعادة الشرعية للحكومة الشرعية في اليمن بعد الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران. وهذا العمل العسكري كان متزامنا مع مساعدات إنسانية كبيرة لليمن. وقد امتد المشروع السعودي كذلك إلى دعم الاستقرار في القارة الأفريقية من خلال دعم الاستقرار بين إثيوبيا وإرتيريا والذي أثمر بعد وساطة سعودية إماراتية باتفاق جدة الذي أنهى واحدا من أطول الصراعات في أفريقيا ثم الدخول في مشاريع تنموية.

ولا تزال السعودية مع بقية الدول العربية تحاول إعادة الاستقرار السياسي للمنطقة بعد سنوات من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي الذي شهدته المنطقة بسبب مشاريع الفوضى والتوسع التي تقودها إيران وتركيا. فالسعودية بسبب تعقيدات المشهد في المنطقة تحولت من الحياد إلى المبادرة، ودخلت بكل ثقلها لحماية مصالحها وتحقيق تطلعات شعوبها من خلال أهداف «رؤية المملكة 2030» والإسهام في إعادة الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية للمنطقة.