د. شلاش الضبعان

ذكر أبن قتيبة الدينوري في عيون الأخبار أن يحيى بن خالد قال: لست ترى أحداً تكبر في إمارته إلا وهو يعلم أن الذي نال فوق قدره، ولست ترى أحداً يضع نفسه في إمارة إلاً وهو في نفسه أكثر مما نال في سلطانه.

وقيل لعبيد الله بن بسام: فلان غيرته الإمارة، فقال: إذا ولي الرجل ولاية فرآها أكثر منه تغير، وإذا ولي ولاية يرى أنه أكثر منها لم يتغير.

مع الاحترام والتقدير ليحيى بن خالد وابن بسام والدينوري أيضاً، أعتقد أنه أمر طبيعي أن يتغير الإنسان بعد توليه منصباً، فستتغير الأفكار التي كانت لديه بعدما تغير نطاق إشرافه، من إشرافه على نفسه إلى إشراف على قسم أو مؤسسة تحتوي على عدد من الأفراد، ولكل فرد من هؤلاء الأفراد وقت واهتمام، ومستحقات تتناسب مع ما يحمله من مؤهلات ومهارات، وهذه تحتاج إلى العدل وتغليب المصلحة العامة الذي سيصاحبه بعض التغير على أصدقاء الأمس، فلم يعد المسؤول زميلاً بل أصبح صاحب قرار يصل ويقطع، ولا شك أن قراراته لن تعجب الجميع.

أيضاً ما كان مقتنعاً به المدير عندما كان موظفاً سيختلف بعد اطلاعه على الأنظمة واللوائح، ولذلك السؤال الشهير الذي يوجه لبعض المديرين عندما يأمر بأمر: بالله هل كنت تفعل ما تطالب به عندما كنت موظفاً؟ سؤال غير منطقي، فالوضع الآن مختلف اطلاعا وإشرافاً ومحاسبةً!

الأمر غير الطبيعي -وهو ما أشار إليه من نقل عنهم الدينوري- أن يكون سبب التغير هو الكبر والتعالي، فقد أصبح الآن هو المدير ولذلك يرى أنه أصبح في منزلة أعلى ولذلك يجب ألا يتعامل مع زملائه كتعامله سابقاً، وهذه مرحلة متدنية وأساس فشل، فلن ينجح المدير المتكبر، ثم أن التقاعد الذي أتى غيره سيأتيه وسيبحث عمن يتصل عليه كما بحث من سبقوه، بعد أن كانت أرقام جوالاتهم سراً من الأسرار.

ذكر الدينوري أيضاً: رأيت فلاناً مولى باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة ثم رأيته بعد ذلك راجلاً في سفر، فقلت له: أراجلٌ في هذا الموضع؟ قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس فكان حقاً على الله أن يُرجلني حيث يركب الناس.