محمد العصيمي

في رحلتي إلى أمريكا، مرافقا لابنتي لدخول الجامعة، عبرت أربعة مطارات ذهابا وسأعبرها عودة. وفي كل محطة من التعب ما الله به عليم، حيث لم يعد الظّهر ظهر ابن العشرين ولا الركب ركب ابن الثلاثين. لم أبلغ من العمر عتيا بطبيعة الحال لكنني كبرت على سفر من هذا النوع الذي كنت أستمتع به إذا طال وتنوع وقت الشباب.

لكن، واعتبروا ذلك حكمة أو عزاء، ما يخفف التعب ويعدل المزاج أنني أكتشف، في كل مرة أسافر فيها، مزيدا من هذا العالم المتغير والمتلاطم الذي يتحرك بسرعة هائلة ليصل إلى غاياته الحديثة، المتعددة والمتنوعة وربما الزائدة عن حاجته في بعض الأحيان.

لا وقت للتثاؤب أو التوقف عن الحركة في عالم اليوم، والمتثائبون أو الواقفون هم من لم يفهموا طبيعة هذا العصر وتجدد الإنسان فيه على مدار الساعة. الابتكار هو سيد حياة اليوم بلا منازع لأن مطالب الناس وحاجاتهم ورفاهيتهم تتطلب مزيدا من الابتكارات التي تدر على أصحابها ودولها مليارات الدولارات.

ولذلك مما اكتشفته في هذه الرحلة أنه لا يكفي أن تكون لديك ميزانيات ضخمة ومشاريع هائلة إذا لم تكن لديك ثقافة الابتكار والإبداع على المستوى العام للدولة والمستوى الخاص للأفراد. بدون هذه الثقافة ستصرف ميزانياتك على مبتكرين ومبدعين خارج الدولة، وستبني مشاريعك وتهيئها بإدارتهم واستشارتهم.

أزمة العالم العربي، غير أزماته المعروفة والحاصلة، أنه دفن ثقافة الابتكار واستبدلها بثقافة التلقين والتوجيه. ولذلك هو يستورد ليأكل ويشرب ويلبس ويركب ويطير. انظر حولك في بيتك وشارعك ومدرستك ومطاراتك إلى آخره لتعرف من نحن.