هدى الغامدي

الأسبوع المنصرم لم يكن أسبوعا عاديا في السودان الشقيق وعلى أشقائنا السودانيين، وذلك بعد توقيع «الوثيقة الدستورية» للمرحلة الانتقالية التي ستستمر ثلاث سنوات حيث تنتهي بإجراء انتخابات عامة لاختيار برلمان وحكومة مدنية، وكانت مملكتنا كعادتها في مساندة أشقائها العرب حاضرة ومشاركة في حفل توقيع هذه الاتفاقية ممثلة بوزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير.

الاحتجاجات في السودان الشقيق بدأت بشكلٍ عفوي حينمَا تجمّع المئات من المواطنين السودانيين للاحتجاج على غلاء أسعار المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض قيمة العملة السودانية، وندرة الكثير من السلع في معظم البلاد، وروت لي صديقات سودانيات عن انقطاع الكثير من المواد الأساسية الاستهلاكية والحياتية سواء الصحية الطبية أو الغذائية، بل وصل الأمر إلى ندرة وشح دقيق القمح فضلا عن ارتفاع أسعار الرغيف الواحد ليصل إلى ثلاث جنيهات سودانية، فما كان من الحكومة التي رفضت تحقيق مطالب الشعب العادلة إلا أمر عناصر الأمن بتطويق المتظاهرين وإطلاق الغازات المسيلة للدموع عليهم بل أسوأ من ذلك ليسقط الكثير من الضحايا والجرحى، ولم تكتف الحكومة بذلك فقد علّقت السلطات الدراسة في كل الجامعات والمراحل الدراسية وأعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال من السادسة مساء وحتى السادسة صباحا في بعض الولايات.

ردود الأفعال من الحكومة وفي ظل التعنت في الاستماع لمطالب المُحتجين وعدم تلبية رغباتهم لم تثن الشعب السوداني المحب للسلام والمصر على تلبية حقوقه العادلة على الاستسلام ولم تقتصر المظاهرات على الرجال فحسب بل تميّزت بحضور مكثف للنساء السودانيات واللاتي لعبنَ دورًا أساسيًا في استمرار الاحتجاجات بل تعدّاه لما هو أبعد من ذلك حيث صار حضورهنّ ضروريًا لما يقدمنهُ من دعم من خِلال إسعاف الجرحى ونقل المصابين وكذا المُشاركة في تحميس وتشجيع باقي المشاركينَ من خِلال الزغاريد والأهازيج. ليسَ هذا فقط بل أظهرت صور ومقاطع فيديو تصدي الشابات السودانيات لعناصر قوات الأمن ومنعهم من التقدم في أحيانٍ كثيرة، هذه المُشاركة النسائيّة - والتي تُعدّ نادرة في مجتمع محافظ كالسودان - فاجأت النظام الذي شنّ حملة اعتقالات بالجملة طالت عددًا من الرموز النسائية المشاركة.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في السودان، اعتمدت كافة المصادر الخبريّة على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وعلى ما يتداوله الشباب السوداني في النت في ظلّ تغطية إعلامية وُصفت «بالهزيلة» وذلك بسبب منع حكومة البشير القنوات المحلية والخارجية من نقل الأحداث، ومع ذلك تمت الإطاحة بعمر البشير واعتقاله والبدء في محاكمته وذلك بعد ثمانية أشهر من الاحتجاجات الشعبية الواسعة والفوضى التي كانت تمر بها البلاد وسقوط الآلاف من الجرحى والضحايا.

والحمد لله الآن أشرقت شمس جديدة للسودان، هذه البلاد التي ستزدهر من جديد بسواعد شبابها وشاباتها، تلك الأرض التي أنجبت الأدباء والمثقفين والشعراء كالشاعر الهادي آدم صاحب قصيدة أغدا ألقاك التي تغنت بها أم كلثوم وأنجبت الطيب الصالح ومحمد الفيتوري الشاعر السوداني الذي كان يحمل جراح أمته والمنتمي إلى قضايا الإنسان كان من كان، والكثير الكثير من العظماء.