عمار العزو

قبل 200 عام توقع القائد الفرنسي نابليون بونابرت ما يحدث الآن من النمو الصيني وتأهبه ليصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إذ قال نابليون عندما ذكروا عنده اسم الصين: «هناك في أقصى الشرق عملاق نائم..اتركوه، لأنه عندما يستيقظ سيهتز العالم».

لا ينسى واضعو إستراتيجيات الأمن القومي في أمريكا تلك العبارة التي سبق تأكيدها منذ أكثر من قرنين من عمر زماننا المعاصر، وأصبح هذا العملاق هو الذي يؤرق مضاجع أركان السياسة والاقتصاد والتخطيط العسكري في الولايات المتحدة.

وفيما كان «بونابرت» يحذر من مغبة استيقاظ العملاق الأصفر من غفوة سبات تاريخي كان قد آوى إليها عبر قرون سبقت، فإن القضية الماثلة الآن أمام واضع الإستراتيجية الأمريكي تتجسد حاليا في أن الصين لم تكتفِ بأن تصبح قوة صاعدة، بل تعدّت ذلك لتصبح قوّة عالمية مهيمنة تشكل الخطر الأوحد على الهيمنة الأمريكية على العالم.

ولأن القائد الفرنسي «نابليون بونابرت» كان ثاقب النظر، فقد سبق منذ أكثر من 200 سنة إلى استرعاء الانتباه إلى ما وصفه بأنه «الخطر الأصفر»، مشيرا في ذلك إلى العملاق الصيني الذي حين يستيقظ من غفوته سيخترق كل الحدود. وقد ساعد على بزوغ هذه الظاهرة الصينية ما شهده العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين من صراع ثنائي بين القطبين الكبيرين في تلك الفترة وهما أمريكا والاتحاد السوفيتي، الذي تعرّض وقتها إلى استنزاف موارده لحساب الإنفاق العسكري، ولم يلتفت إلى التنمية الاقتصادية وتيسير حياة مواطنيه مما أدى إلى انهيار امبراطوريته وزوالها، في وقتٍ بقيت فيه الصين، وخاصة في مرحلة ما بعد زعيمها المؤسس «ماوتسي تونغ»، تركز على جهود التنمية الاقتصادية والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والتصنيع وبناء شبكات التواصل الفعال مع شعوب العالم حتى باتت تمثل أكبر دائن لأمريكا.

والصين أُمَّة تعمل وتتفوق دون ضجيج، لدرجة أنّك إذا سألت أي مسؤول صيني عن تفوّق اقتصاد بلاده، يجيبك بتهذيب جم: (نحن مازلنا دولة نامية نحاول أن نعمل ونجتهد ولا نرغب في أية مواجهات مباشرة مع أحد).

وفي الوقت الذي تتقدم فيه الصين لتصبح القوّة الاقتصادية المهيمنة في العالم، تحاول أمريكا بشكل مستمر وضع العراقيل أمامها، سواءً بالرسوم الجمركية التي تفرضها بين فترة وأخرى على البضائع الصينية المصدّرة للأسواق الأمريكية، أو بافتعال مشاكل أخرى، مما يوحي للخبراء الاقتصاديين بنشوء حرب تجارية قد تقود لركود اقتصادي عالمي ينعكس سلبا على اقتصاديات العالم أجمع.

ولكن الصين في الواقع تقود حاليا ما يطلق عليه «عولمة بديلة» لمواجهة العولمة التي تقودها القوى الغربية وفي طليعتها أمريكا، وترتكز على المنفعة والفائدة المتبادلة مع الدول الأخرى، وهذا ما يجعلها القوّة المقبولة الضامنة للاقتصاد العالمي والتي ستجنبه الركود أو الانهيار.