د. نورة عبدالله الهديب

وقد شارفت الفصول على فتح أبوابها لتستقبل عقول أطفالنا الصغيرة، والتي فيها من الكنوز ما يُثير حفيظة المُربين من المُعلمين. فأطفالنا جاؤوا من ثقافات منزلية مختلفة، منهم من ساعدته الظروف لرؤية العالم ومنهم من بكى ليرى العالم ومنهم من فقد جزءا من العالم. فهذه الظروف قد أضافت لأطفالنا علوما ومعارف كانت بمثابة كنوز قيمة.

فعقول أطفالنا مليئة بالكنوز الثمينة، وتنقسم على حسب الظروف التي عاش فيها أطفالنا، فالكنوز البيضاء التي تكونت جراء ظروف الحياة المحيطة بهم وتلك الثقافة المنزلية التي مارسوها مع أفراد أسرتهم. فبعض الأطفال كانوا سعداء في إجازتهم يمارسون هواياتهم باحتواء من يحبهم، تعلموا فنونا وعلوما جميلة كان لها أثر في زيادة حصيلتهم المعرفية والعلمية التراكمية، والتي أصبحت بمثابة مرجع لهم يساعدهم على رسم صورة واضحة لمستقبلهم.

وفِي الجهة المقابلة، هناك كنوز سوداء في زوايا بعض عقول أطفالنا والتي تشكلت من مناظر وأصوات مؤلمة قد أجبرت الطفل على الصمت المزعج أو الصراخ الصامت. فمنهم من بكى شوقا لأحدهم ومنهم من كان يعايش العنف ليأخذ منه دروسا مؤلمة، فقلوبهم وعقولهم الصغيرة قد عانت الكثير والتي منعتهم من ممارسة طفولتهم الطبيعية.

فكل هذه المعارف والممارسات المتراكمة الإيجابية منها والسلبية قد تخزنت في عقول وقلوب أطفالنا. ومن الواجب على المُعلم المُربي أن يأخذ ويتعلم من جميلها ويضيف عليه ألوانا أخرى بأدواته التي تعلمها خلال رحلته الأكاديمية في مجال التعليم. ويأخذ قبيحها ويصححه ليعيد تركيبه بأدواته العلمية ليجعله منهجا مختلفا ومستنيرا وكأنه يصنع من الشوك وردة ليهديها لأطفالنا. فتلك الكنوز ما هي إلا معارف وعلوم يستطيع المُعلم أن يتعلم كيفية تحويلها إلى دروس لا منهجية ليستفيد الأطفال منها بأشكال مختلفة، وليعزز ويعيد ثقتهم بكنوزهم عن طريق تنظيمها وتنقيحها وإعادة استخدامها بشكل تربوي يتناسب مع عقولهم الصغيرة والواسعة.

كم أتمنى من التعليم أن ينظر بعمق في عقول أطفالنا ليستخرج محتويات جديدة ومعارف وعلوما ليضيفها إلى المناهج بشكل تنظيمي مرن ليعيد هيكلة منظومة التعليم أو يطورها. فمجتمعنا يسابق زمنه والمؤثرات الخارجية قد أصبحت جزءا من ثقافتنا. فأطفالنا قد مزجوا علوم الخارج بالداخل حتى أصبحوا وكأنهم علماء صغار يوجهون الكبار ويعلمونهم العلوم المستحدثة. فانعكاس الآية التعليمية في زمننا أظهر عيوبا قد كانت نتيجة لفجوات لم ننتبه لها كتربويين في السابق. فلنتعلم من منظومة الطفل المبعثرة، ولنساعده في تنظيمها لتكون مستقبله بإذن الله.

@fofkedl