مطلق العنزي يكتب :

هل جربتم الحج؟

حسنا.. هو قصة مختلفة ومتفردة، لا يستطيع المرء أن يحكيها، لكنه يستلهمها فقط، ويشعر بها فيضا يسري في الدماء والوجدان. وهو أيضا كرم الله يتجلى في بطاح المشاعر المقدسة، وفي بهجة الحجاج وأرواحهم.

الحج هو آية أخرى من آيات الله، ولا يفسده، إلا الحجاج «المتأففون» وتجار المناسبات الانتهازيون.

الحجاج المتأففون، هم الذين قدموا للحج وفي أذهانهم أنه رحلة سياحية لتجربة أيام مختلفة، ويقارنون الحج بالأيام التي قضوها في ربوع المنتجعات السياحية في العالم، وهذا خطأ فادح، وقد أضاعوا على أنفسهم متعة الحج، بأنه أيام معدودات، وتجربة مختلفة، وأنه ليس تمشية ولا نزهة، وتعبه هو جزء من نكهته وثوابه وأجره.

والانتهازيون هم مديرو الحملات الذين يتخلون عن واجباتهم، ويسيئون إدارة مسؤولياتهم، إهمالا أو قصدا، سواء من خارج المملكة أم داخلها. وهؤلاء يتعين على وزارة الحج إجراء الترتيبات لحملهم على أداء واجباتهم، بإيقاع الجزاء الرادع، فكثير من الأخطاء تحدث بسبب الإهمال أو بسبب سوء الإدارة، ويتكبد الحجاج بسببها المشقة غير الضرورية، ويمكن تلافيها بإجراء ترتيبات وقواعد عمل جديدة، تضمن ألا يتعذر مديرو الحملات بالإجراءت الحكومية، بقصد إهمال واجباتهم. فمثلا حينما يسقط حاج من الإعياء في طابور مزدحم طويل، ولا يجد من يهتم بأمره من مسؤولي الحملات، فإن ذلك يعد جريمة، ولا يجد إلا الجنود في الميدان، الله يعظم أجرهم، يهتمون بأمره ويسعفونه، أو يتبرع حاج آخر بالاهتمام به.

أما كرم الله فهو عظيم وتجلى في حج هذه السنة وفي كل سنة، ففي مشعر عرفات بلغ الضيق بالحجاج أشده بسبب الحر واكتظاظ المكان بالناس، حتى أن المكيفات في أماكن كثيرة بدت ضئيلة الفائدة، بالنظر إلى الحر الشديد، فجاء فرج الله، بعد ساعات من الضيق والحرج، في عز شهر أغسطس، أرسل الله غيثه، فهطلت أمطار رحمة على الحجاج، فخرج الناس يتباشرون، في لحظات تغير الجو إلى بارد منعش، وامتد ذلك إلى المزدلفة، وفي مشعر منى، وطوال أيام التشريق، يشاهد المرء كرم الله، إذ تظلل الغيوم أفواج الحجيج وهم يأتون ماشين مسافات طوالا. وأيضا من كرم الله على الحجاج وهذه البلاد ومواطنيها، أن التنظيمات المتقنة والمشروعات الكبرى والجهود التي تبذلها قوات أمن الحج والقوات العسكرية المشاركة في خدمة الحجاج وقوى العمل في وزارة الصحة والهلال الأحمر ووزارة الحج والعمرة، كل ذلك كان له أشد الأثر في التخفيف عن مشقة الحجاج وسلامة حجهم، خاصة في هذه الأيام بالغة الشدة في درجة الحرارة.

وأيضا لا ننسى شهامة الحجاج ومبادراتهم الخيرية، وهنا أرصد موقفا، وهو واحد من آلاف المواقف الإنسانية المماثلة والحمد لله، فحاج شهم اسمه عبدالله الشهري في الخمسينيات، قد تكفل بالعناية بحاج آخر من نفس عمره تقريبا من الحملة أصيب بالإعياء، وهما لم يتعارفا إلا قبل ساعات، فأحضر عربة ووضع فيها الحاج، ودفعه لمسافات طوال متعبة، والاثنان يعانيان التعب والحر والمشقة والاكتظاظ وضيق الحال، وكان أشد التعب حين الصعود مسافة طويلة باتجاه محطة القطار، ولكن الشهري الشهم، ضاعف جهده وتكبد من التعب والإعياء ما الله به عالم، حتى يغيث حاجا آخر، ويسجل الله له حجته حجتين، بإذن الله. وها نحن نضرب بشهامته الأمثال.

ألم أقل إن الحج قصة مختلفة، وهي قصص متنوعة، لكنها كلها، كرم من الله يفيض به على عباده، والذين يأتون من أطراف الأرض ومن كل فج عميق، ليتجمعوا في مكان واحد ويلبوا بلغة واحدة، ويذكروا الله عند المشعر الحرام.

malanzi@alyaum.com