ليلى محمد باهمام

أتتنا الهدِيةُ مُختالة ** وكانت لِمِثلي عِز الطلب

تخيرها الياسُ مِن كرمِهِ ** ومِن خيرِ صُنفٍ لأحلى العِنب

كانت دلِيلا على ذوقِهِ ** وعِلمٍ بِما لِلمُحِبِ وجب

أبيات شكر وثناء لإلياس الذي أهدى الشاعر اللبناني جبران خليل جبران هدية «عناقيد عنب» راقت له، وجبران من شعراء وأدباء المهجر، توفي صغيرا في الثامنة والأربعين من عمره؛ بسبب مرض السل وتليف الكبد، وترجمت مؤلفاته إلى عشر لغات، وتعد من أشهر المؤلفات في القرن العشرين، وهو إلى جانب ذلك رسام مبدع بلغت أعماله الفنية أكثر من سبعمائة عمل فني.

واختتم القصيدة بأجمل ما قيل في الثناء على المهدي وتقديره من وجهة نظري:

لو أعطي المرء على قدره ** لكان ما توهب مما تهب

والهدِيةُ فِي اللغة: هِي المال الذِي أُتحِف وأُهدِي لأحدٍ إِكراما لهُ، يُقال: أهديتُ لِلرجُل كذا: بعثتُ بِهِ إِليهِ إِكراما، فالمال هدِية.

أما اصطلاحا فهي: تمليك عين للغير على غير عوض، فإن كانت لطلب الأجر المحض من الله غلب عليها اسم الصدقة، وإن كانت لغير ذلك فهي هدية.

وورد عن أم المؤمنين عائِشة -رضِي اللهُ عنها- قالت: «كان رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقبلُ الهدِية، ويُثِيبُ عليها». رواهُ البُخارِيُ.

نعم، فالتهادي بين الناس من خلق الإسلام، ومما حض عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «تهادُوا تحابُوا» [رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني].

والهدية كما هو متعارف عليه رسول خير، ومظهر حب، ووسيلة قربى، ومبعث أنس، تُدني البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس في حال أحسن استغلالها.

وهي من وسائل كسب القلوب وبناء العلاقة، وإن كانت قيمتها كرمز تطغى على قيمتها المادية من وجهة نظري مع الاهتمام بحسن اختيار ما يليق بشخصية المهدى إليه هي تبعث إليه رسالة مفادها «أنك لم تغب عن ذاكرتي»، وهذا بحد ذاته يجلب السعادة ويرسخ الود، وقد يسترجع المحبة ويعيد الوصال ولو بعد فرقة.

ولعل من العادات والتقاليد المستحسنة في ثقافتنا الخليجية «الرضاوة» كهدية مرضية للزوجة بعد خلاف أو قطيعة، أو حين يرغب زوجها في التعدد ليستميل قلبها ويشعرها بقيمتها كعنصر لا يستغنى عنه في حياته المقبلة، وهو لا يعلم إن كانت هذه الزيجة الجديدة ستكون خيرا له أو وبالا عليه، وكم سمعنا في ذلك من القصص والأحاديث التي تناقلتها الركبان قديما، ووسائل التواصل الاجتماعي حديثا والتي تفوقت على سابقتها بكونها تبثها موثقة بالصوت والصورة وليس مجرد حكايات مجردة.

قال أبو حاتم بن حبان: «والبشر مجبولون على محبة الإحسان، وكراهية الأذى، واتخاذ المحسن حبيبا، واتخاذ المسيء إليهم عدوا»، وأضاف: -رحمه الله-: «فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها، وإني لأستحب بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم، إذ الهدية تورث المحبة، وتذهب الضغينة».

وبلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه، فبعث إليه بكسوة، فلما كان بعد ذلك مدحه الأعمش فقيل له: «كيف تذمه ثم تمدحه؟!»، قال: «إن خيثمة حدثني عن عبدالله قال: إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها».

ولعله من نافلة القول أن نقول إن عدم الإهداء خير من المن بالهدية أو الرجوع فيها لما فيه من اللؤم وقلة المروءة.. وقد أهدى رجل للأعمش بطيخة فلما أصبح قال: يا أبا محمد كيف كانت البطيخة؟ قال: طيبة! ثم أعاد عليه ثانيا: كيف كانت البطيخة؟ قال: طيبة! فأعادها ثالثا فقال: إن خففت من قولك وإلا قئتها.

قبل الوداع..

سألتني: هل من الممكن أن يندم الإنسان على هدية أهداها؟

فقلت: أما ماديا فلا أعتقد أن يكون ذلك من كريم بفطرته وجبلته، وأما معنويا فقد يندم ذوو المشاعر الجياشة على إهداء كلمات تحكي أحاسيسهم الصادقة حين يعلمون أنها قد تحلق مسرعة كرسالة إلى غيرهم دون رادع من إحساس أو ضمير.