عبدالرحمن إدريـس - جدة

ميقات «جعـرانة» شهد العمرة الثالثة لنبي الأمة

تكتسب المعالم التاريخية في مكة المكرمة أهميتها من مكانة المدينة المقدسة، وبقي كثير من هذه الآثار ليحكي شيئا من سيرة النبوة.

فهناك «جعرانة والحديبية وحنين»، التي تميزت بالعبق الإسلامي على مر القرون، كما تحتفظ ذاكرة هذه المواقع بالأحداث التي شهدتها.

» مسجد الجعرانة

وفي واحد من أبرز المواقع التاريخية والأثرية إلى الشمال الشرقي من مكة المكرمة تقع قرية «جعرانة»، ومنها أحرم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لعمرته الثالثة، وفيها مسجد صلى فيه عليه الصلاة والسلام عند عودته من الطائف بعـد فتح مكة، وتبعـد القرية عن مكة المكرمة 24 كيلو مترا.

ويقال: إن رجلا من قريش قام ببنائه، وسماه مسجد الجعرانة، وهو وراء الوادي بالعـدوة القصوى، ثم توالى ترميمه وتوسعته لعدة مرات، آخرها في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، حيث أعيد بناؤه على مساحة مقدارها (974) مترا مربعا ليتسع لنحو (600) مصل.

» سبب التسمية

جعرانة بلدة كبيرة، بها مسجد يقصده المعتمرون من مكة؛ لإحرام النبي صلى الله عليه وسلم منها، وترجع التسمية نسبة إلى امرأة من قريش اسمها «ريطة» وتلقب جعرانة.

وفي سياق المرويات، أن تلك المرأة عرفت بناقضة الغزل، ولم يرد اسمها صراحة في القرآن الكريم، لكن الله سبحانه وتعالى جعلها مثالا وعظة: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ.... » سورة النحل: «الآية 92».

وسميت جعرانة لحماقتها، حيث إنها كانت تغزل طيلة النهار حتى إذا كان المساء نقضت غزلها، ويتكرر فعلها يوما بعد يوم بطريقة غير مسبوقة ولم يكن لها نظير في فعلها، وهي أُم أسد «ريطة»، أو سعيدة بنت عمرو القرشية، وعرفت بالأسدية، والأغلب أنها «ريطة» بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها قبلة بنت حذافة.

» تطوير المواقيت

أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- اهتمامها بالعناية بهذه المواقيت، ويتوالى تكثيف الجهود في تطوير وخدمة جميع مرافق هذه المواقيت، وشمل الاهتمام المساجد والمصليات بها، وتوفير مياه الشرب والخدمات والمرافق العامة والمساندة، مع تنظيم الأسواق والساحات المحيطة بها والطرق المؤدية إليها، إضافة لتنفيذ المشروعات التطويرية والتنموية للمواقيت ومساجدها ومرافقها مع التوسع في مشروعات الترميم والصيانة، وتهيئة الاستراحات الخاصة بالرجال والنساء، وكذلك إنشاء وتنظيم وتوسعة مواقف السيارات خاصة في ظل زيادة الإقبال عليها.

» تاريخ الموقع

وقال أستاذ التاريخ والحضارات الإسلامية بجامعة أم القرى د.فواز الدهاس: إن جعرانة قرية صغيرة تقع شمال شرقي مكة خارج حدود الحرم، واشتهرت أنها كانت المرحلة الأولى التي نزلها المصطفى صلى الله عليه وسلم في مقدمه إلى حنين، وأصبحت بعد ذلك مركزا لحبس الغنائم بعد هزيمة هوازن في حنين، وعندما عزم صلى الله عليه وسلم رفع الحصار والعودة إلى مكة، أقام بالجعرانة 13 ليلة، ولما أراد الانصراف إلى المدينة المنورة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة، فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة، ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة فسلك وادي جعرانة، حتى خرج على سرف، ثم أخذ الطريق إلى مر الظهران ثم إلى المدينة.