عبدالرحمن إدريـس - الدمام

حظيت المواقع الأثرية بالمنطقة الشرقية باهتمام متزايد خلال الأعوام الأخيرة بعد اكتشافات متوالية شملت معالم الحضارات القديمة.

ومن خلال المسوحات الأثرية، التي أجريت حتى الآن، تبين وجود أكثر من 300 موقع أثري بالمنطقة تعود للعصور الحجرية والإسلامية، إذ يعد الاستيطان البشري بالساحل الشرقي الأقدم مرتبطا بالموقع الجغرافي، الذي يشرف على جزء كبير من ساحل الخليج العربي.

الدفي ومردومة

وقد قامت هيئة السياحة بمشاركة الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتوثيق موقعي «الدفي ومردومة» الخاضعتين لأعمال المسح والتنقيب الأثري، ومن ثم التأهيل لتكون مفتوحة للاستفادة من الآثار المكتشفة، وتجعلها تتكامل مع ما حولها، إذ يتضح ذلك في إستراتيجية الخطط من خلال بعض الأمثلة كما هو في غابة الأشجار، التي يضمها متنزه الدفي التاريخي، الذي يرجع تاريخه لفترة مملكة الجرهاء، التي سادت شرق شبه الجزيرة العربية، والمرجح أنها كانت في القرن الثالث قبل الميلاد كتاريخ أولي، وقد أصبح الآن متنفسا ومزارا سياحيا مهما.

» التسمية والموقع

واشتقت تسمية «الدفي» من اسم خليج ضحل المياه، ويعرف محلياً بدوحة الدفي، ضمن أراضي الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وفي موقع إسكان كلية الجبيل الصناعية، وهو عبارة عن منطقة سكنية تحوي وحدات شبه كاملة، ويظهر فيها استمرار السكن فترات طويلة تمتد من ما قبل الإسلام وإلى فترات إسلامية متأخرة، وتنتشر على سطح الموقع كميات كثيفة من كسر الأواني الفخارية، ويمكن ملاحظة وجود تلال أثرية متناثرة بشكل عشوائي.

وأسفرت أعمال التنقيب الاختباري، التي أجريت في الموقع عن بعض الاكتشافات المهمة ومنها، قصر متقن البناء، كما كشف عن كسر لأوانٍ مصنوعة بإتقان من الحجر الصابوني أو الرخام تمثل أجزاءً من أوانٍ أو أغطية، إلى جانب بعض المجامر المصنوعة من الحجر الجيري.

» تشابه الآثار

وفي الآونة الأخيرة، أوضحت الدراسة الأثرية من خلال فحص الأواني الفخارية المكتشفة في الدفي، أنها تتشابه مع أنواع مماثلة بالمواقع المعروفة في شرق الجزيرة العربية، وقد تميزت بعض هذه المصنوعات بزخارف دقيقة منفذة على سطوحها الخارجية، إضافة إلى أدوات خشبية وبعض الحلي النسائية، مما يرجح أن موقع الدفي عاصر ازدهاراً حضارياً خلال فترة الممالك العربية الوسيطة، التي تؤرخ عادة بالفترة المحصورة بين القرن الثالث قبل الميلاد ونهاية القرن الثاني الميلادي.

ويرتبط الموقع مع مواقع أخرى مثل ثاج ومواقع جنوب الظهران بالمنطقة الشرقية، وموقع الفاو بمحافظة وادي الدواسر، وموقع جزيرة فيلكا بدولة الكويت.

» العمارة الهيلينستية

وأشار باحثون في مجال التاريخ إلى أن حفريات الدفي بالجبيل كشفت عن أهم مدينة هيلينستية كاملة العمارة على الساحل الشرقي، ويعد ذلك حدثا أثريا مهما، حيث إن العمارة الهيلينية المكتشفة تعطي دلالات لخصائص معيشة الإنسان قبل ألفي عام، منها استخدام العقود والأقبية الأسطوانية المسندة على جدران ضخمة، واستخدام الدعائم والأقبية العرضية لحماية المباني، وهي من ميزات العمارة الهيلينستية، وكذلك الجدران العريضة والواضحة بشكل لافت، كما استخدمت الأعمدة الدقيقة في منظور المداخل والواجهات، والأبراج والنوافذ الصغيرة فيها للحماية، كما أن من أهم مميزات هذه العمارة، استعمال المواد حسب طبيعتها، فلم تستنسخ الأشكال التي كانت تستعمل في الخشب، عندما استعمل الحجر بدلا منه في أبنية أغلب البلدان، فاستعمل الحجر والخشب وفق ظروف وخصائص معمارية معينة.