محمد حمد الصويغ

صحيح أن صناعة الأفلام بالمملكة بعد الدعم اللامحدود من وزارة الثقافة للمهرجانات والمبادرات السينمائية ما زالت تعتمد في شكلها العام على اجتهادات ذاتية، ذات علاقة مباشرة بتجارب أرباب هذه الصناعة، غير أنه من الضرورة بمكان التفكير الجدي بتأسيس معاهد خاصة بالمملكة لتدريس أصول هذه الصناعة وأصول ممارستها، وهذه مهمة لا بد من الأخذ بها على اعتبار أن صناعة الأفلام لا تعتمد على التجربة الذاتية وحدها، بل يجب أن تقترن بدراسة علمية كما هو الحال في كثير من دول العالم التي ازدهرت فيها صناعة الأفلام السينمائية وخولها هذا الازدهار لتصدير إنتاجها إلى بلدان عديدة في الشرق والغرب، ورغم أهمية التجربة في حد ذاتها، إلا أن الاهتمام بدراسة أصول هذه الصناعة تبدو مهمة للغاية ولا يمكن تهميشها أو التغافل عن الأخذ بها.

الاكتفاء بالتجربة الذاتية في هذا المجال لا يكفي لصناعة سينمائية واعدة بالمملكة، كما أن استمرارية عرض الأفلام الوافدة دون تفكير فاعل بصناعة أفلام محلية لا يبدو أمرا منطقيا، فإنشاء دور السينما لعرض تلك الأفلام لا يغني عن أهمية ظهور أفلام محلية تحقق الغاية المثلى من إنشاء تلك الدور والسماح بسريان الفن السينمائي بالمملكة، وأظن أن الوقت مناسب لمناقشة إنشاء المعاهد الخاصة بتدريس أصول الفن السينمائي، لاسيما أن هذه المناقشة متزامنة مع التركيز على أهمية عرض الأفلام السينمائية عبر العديد من صالات العرض التي انتشرت في سائر مناطق المملكة ولاقت قبولا حسنا من الجماهير المتعطشة للنهل من هذا الفن الثقافي.

معاهد تدريس الأفلام السينمائية تختصر الكثير من الجهود التي تبذل حاليا لصناعة أفلام ذات اعتماد كلي على تجارب ذاتية صرفة، ومع أهمية تلك التجارب التي لا يمكن التقليل من نجاحها على مستوى محلي، إلا أن تطعيمها بالدراسة سوف يضيف لتلك الصناعة الوليدة أبعادا مهمة وحيوية لارتباطها بالتوجيه الصحيح سواء فيما يتعلق بكتابة النصوص أو الإخراج أو التمثيل، فذلك التطعيم كما أرى سوف يقود إلى الأفضل والأمثل لصناعة سينمائية فاعلة، والمعاهد الخاصة بتدريس هذا الفن تكمن أهميتها في معرفة الطرق والآليات التشغيلية لتلك الصناعة بأشكال علمية وحديثة للوصول بهذا الفن إلى مرحلة العالمية وإخراجه من بوتقة محليته.

الخبرة الذاتية مهمة ولا يمكن تجاهلها غير أن من الخطأ القول بأن الدراسة المتعلقة بصناعة الأفلام السينمائية غير ضرورية أو هي أمر ثانوي في خضم الدعم اللامحدود من قبل المسؤولين بالمملكة عن هذا الفن الرفيع، فطرائق التفكير والتكتيكات الفنية والمبادئ الشائعة حول مراحل تلك الصناعة أمور لا بد من الإحاطة بها من خلال دراسات علمية محسوبة، وإزاء ذلك فإن أهمية تواجد المعاهد المخصصة لدراسة قواعد تلك الصناعة دراسة أكاديمية وعلمية تبدو مهمة، وقد يكون أثرها الملموس والمحسوس في تصحيح وتقويم الأخطاء الناجمة عن التجارب الذاتية المعتمدة.

وإن لم تنشأ تلك المعاهد فلا ضير في هذه الحالة من الاعتماد على المحاضرات والدورات التي يمكن تنظيمها لتزويد أرباب تلك الصناعة بآلياتها الحديثة وأساليبها المتطورة، فالتجارب الذاتية المحلية لا تزال قاصرة عن الوصول إلى مرحلة التكامل المنشود لبناء سوق واعد لتلك الصناعة التي يمكن تصديرها في حال نجاحها إلى كثير من دول العالم للدخول بها في منافسات جادة لتقديم الأفضل عبر هذه الصناعة، فالفرص التعليمية لمعرفة أسرار هذه الصناعة لابد من إتاحتها لأرباب هذا الفن، لاسيما أن دعم الانتاج يبدو متاحا بالمملكة، وهذا يعني أن النهل من المدارس العالمية التي سبقتنا بأشواط في مضامير الصناعة السينمائية لابد أن يتحول إلى مطلب عملي.