د. شلاش الضبعان



ذكر ابن عبدربه الأندلسي في العقد الفريد في كتاب الياقوتة في العلم والأدب «قال أبو الزناد: كنت كاتبا لعمر بن عبدالعزيز، فكان يكتب إلى عبدالحميد عامله على المدينة في المظالم فيراجعه فيها، فكتب إليه: إنه يخيل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلا شاه، لكتبت إلي: أضانا أم معزا؟، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت إلي: أذكرا أم أنثى؟، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغيرا أم كبيرا!، فإذا كتبت إليك في مظلمة فلا ولا تراجعني فيها».

لهذا العامل الذي ذكره أبو الزناد في العصر الأموي أتباع ما زالوا يسيرون على طريقته في هذا العصر، وهم جماعة «نرفعها للوزارة» أو «نرفعها لأنظار المسؤول وننتظر التوجيه»، ولو كان هذا الرفع في الأمور الكبرى لكان مقبولا، ولكن المشكلة أنه في قضايا لا تستحق، ولو كان لتجويد الرأي لكان من الممكن التسامح فيه، ولكن المشكلة أن سببه عجز عن اتخاذ القرار أو تهرب من المسؤولية، وكلا الأمرين لا يليق بقائد، بالإضافة إلى ما فيه من زيادة المشاكل بتعقيد المراجع وتراكم الأعمال وإشغال الجهات الأعلى عما هو أهم!

مثل هذا الأمر يحتاج إلى معالجة من أجل الصالح العام، وقد سمعت من أكثر من مسؤول عدم الرضا من مثل هذه الممارسات، ومع ذلك فما زالت موجودة، وبالتالي تحتاج الوزارات لمنح الصلاحيات وتدريب المديرين عليها، فهي الكاسبة قبل غيرها، مع فعل ما فعله الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، بالقيام بمساءلة من يقوم بهذا الفعل لا إعطائه الحلول الجاهزة التي تعوده أكثر وأكثر على الرفع بكل شيء وأي شيء.

نحتاج أيضا في بيوتنا ومؤسساتنا أن نربي أبناءنا وطلابنا على اتخاذ القرار، فالحياة قرار، وهم مسؤولو المستقبل وبُناته.

تعلمت من أحد القيادات، عندما سئل: هل سترفع هذه المعاملة لمقام الوزارة، فقال: أنا هنا الوزارة، ولست ساعي بريد.

وتعلمت من قائد آخر حين أثني على أحد العاملين معه، بأنه لا يرفع له مشكلة إلا معها -إن رفع- مجموعة من الحلول المقترحة.