د. شلاش الضبعان

ذكر صاحب أسد الغابة في معرفة الصحابة، وعيون الأخبار أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأصحابه: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمني، قالوا: فلان. قال: لا حاجة لنا فيه، قالوا: من تريد؟ قال: أريد رجلا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإن كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. قالوا: ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي، قال: صدقتم، فولاه.

مع حمى الهياط الموجودة اليوم أصبحت أزمة اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب أشد وأشد، فالكل يرى نفسه أميرا، والكل يرى نفسه متميزا متواضعا، والكل ينظّر ويكتب عن التميز والقيم والأخلاق، ولكن عندما تأتي للواقع لا تكاد تجد أحدا.

بل إن أزمة اختيار الشخص المناسب قد انتقلت لبيوتنا فأخطأ الأب في اختيار الزوج المناسب لابنته مما أوقعها وأوقعه في مشاكل لا تتوقف، وانهارت شركات عائلية عريقة لتقديم الأب من لم يستطع من الأبناء المحافظة على جهد أسرة بنت اسمها لسنوات وسنوات.

ما سبب الفشل في الاختيار؟

لعل أكبر الأسباب وأساسها المعايير التي بُني عليها هذا الاختيار، فبعض المعايير صادرة من نظرية جزئية لتميز في جانب عمم بدون أسس منطقية، وقد يكون الاختيار بناء على معيار العلاقات الشخصية أو القبلية أو المناطقية، وقد يكون الاختيار بناء على توصية فلان الناجح، وكم من ناجح متميز في عمله، فاشلٌ في تقييمه، وهناك من هو سريع الانجراف خلف كل من يقابله.

بل حتى فيما يراه البعض مؤسسيا هناك اختبارات غير دقيقة، وهناك مقابلات شخصية ساء اختيار لجانها فساء اختيارها.

تشدد عمر في السؤال المبني على التشدد في الاختيار وعلو المعايير، وهو من هو، وزمنه زمن الأفاضل، يوجب علينا أن نحرص في هذا الزمن أكثر وأكثر، على ألا يكون الاختيار عشوائيا وفرديا وسريعا، بل لا بد من التأني في البحث والتمحيص وبناء المعايير وتكوين الصف الثاني من القيادات، حتى لا يكون اختيارنا سببا لفشلنا وإرهاقنا في قادم أيامنا.

فكم من اختيار أوقع صاحبه في المهالك، وقال لصاحبه: دعني.