علي بطيح العمري

جاء رجل إلى العالم الجليل عبدالله بن المبارك يشكو إليه عقوق ابنه.. فسأله ابن المبارك أدعوت عليه؟! قال: نعم.. فقال ابن المبارك: اذهب فقد أفسدته!

ورأى عمر بن الخطاب رجلا يده مشلولة، فسأله عن السبب، فقال الرجل: بسبب دعوة أبي علي في الجاهلية، فقال عمر: هذا دعاء الآباء في الجاهلية فكيف في الإسلام؟!

على الآباء والأمهات أن يتقوا الله في أولادهم وأن ينتبهوا لما يقولون لهم، فالقدر موكل بالمنطق، واللسان سلاح ذو حدين، فبكلمة قد تبني إنسانا وبكلمة قد تهدم.. وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم.. يقول عطاء بن أبي رباح:»ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم، فتهدم عمر خمسين سنة أو ستّين سنة أو سبعين سنة، ورُبّ غضبة قد أقحمت صاحبها.. «.

تصوروا - يا سادة -«بنتا» صغيرة كسرت كأسا فتقول لها أمها: الله يكسر قلبك، أو كسر الله قلبك!! ماذا لو وافقت ساعة استجابة.. هل الكأس تعدل قلب البنت؟!!

أب يقول لابنه الذي شقق ورقة.. الله ياخذ عمرك!! هل قيمة ورقة تساوي أخذة ابن؟!

وأخرى تقول لولدها الشقي.. الله يشقيك!! هل شقاء عمر يعدل شقاوة لحظة؟!

ماذا لو استبدلت الدعوات على الأولاد بدعوات لهم وبجمل إيجابية.. نحو: الله يهديك، يصلحك، يوفقك...إلخ، فهي من الكلمات الطيبة التي تبني روحا، ويؤجر عليها المرء بدلا من سكب اللعنات على أبرياء لا يدركون حجم أفعالهم ولا فداحة أخطائهم.

بعض الآباء والأمهات في لحظة غضب يدعون على أولادهم، وإذا استجاب الله لهم ندموا بعد فوات الأوان.. الدعاء على الأولاد لا يزيدهم إلا فسادا وعنادا.. لذا كانت النصيحة ألا ندعوا عليهم، وأن يدعى لهم فهم قطعة من قلوب آبائهم وأمانة عندهم، وقد قال الشاعر:

وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ

لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ

دعاء الآباء للأبناء منهج الأنبياء الكرام، فها هو الخليل إبراهيم - عليه السلام - يسأل الله تعالى أن يرزقه الولد فيقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ).. ولم ينقطع دعاءه لأبنائه بعد إنجابهم، بل استمر، فدعا لنفسه ولولده بأمرين:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَام}، { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي...}.

وأخيرا..

أعظم استثمار، هو الاستثمار في الأولاد، وأعظم تركة يورثها الآباء لأولادهم هي صلاحهم - أقصد صلاح الآباء- وفي سورة الكهف حفظ الله كنز الطفلين اليتيمين بسبب صلاح أبيهما «وكان أبوهما صالحا».